حين قامت الثورة المصرية، كنت ساعتها فى دولة الكويت، كنت أسأل نفسى ماذا عسانى أن أفعل لنصرتها، أذكر أن هاتفى تحول إلى بدالة معلوماتcall centre للكثيرين من المصريين والأشقاء العرب من كويتيين ومقيمين.
كانت لدى أرقام هواتف بعض الإخوة المتواجدين فى ميدان التحرير، وبطبيعة الحال كانت محاولات الاتصال فى مجملها فاشلة بسبب قطع الإرسال ولكن وتحديدا فى يوم موقعة الجمل (الأربعاء 2 فبراير 2011 ) اتصلت بأحد الإخوة وأعتقد أنه محمد القصاص، كان ذلك فى منتصف النهار تقريبا، سألته عن مشاهداته التى كنت أنقلها على مدونتى وفى مقالاتى وعبر حواراتى التليفزيونية والإذاعية من داخل الكويت: قال لى إن شيئا ما يجرى الترتيب له فهناك تحركات فى الشوارع المؤدية إلى الميدان والأخبار تقول إن حشودا راجلة وأخرى محمولة على الجمال والخيل والبغال ستقتحم الميدان... قلت له وما العمل: قال لى ساعتها كلمة لا تزال واسأل الله أن تظل تدوى فى أذنى إلى أن ألقاه : يا أخى هؤلاء خرجوا مدفوعين من أجل المال، ونحن هنا ندافع عن دين ووطن، نحن أصحاب عقيدة وسنهزمهم بإذن الله.
وعلى الفور عممت الخبر على مدونتى وعبر الهاتف، وفى مساء نفس اليوم كنت على موعد مع بعض الأصدقاء لمتابعة الموقف بعد أن بدأت الوكالات تنشر تفاصيل أكثر عن موقعة الجمل، وبلغت القلوب الحناجر بعد أن ظن الناس أن الثورة سيتم القضاء عليها لا محالة، ساعتها أذكر أن أحد الإخوة وهو أستاذ جامعى وجدنى متفائلا ومبتسما بينما الجميع يرنو ويتابع المشاهد عبر الشاشة، وفوجئت به يقترب منى ويقول لى: أنت سياسى قلبك حجر مش شايف إللى إحنا فيه وتبتسم ! قلت له إننى على ثقة فى نصر الله، وذكرت له ما قاله لى أخونا فى الميدان محمد القصاص وبعدها بقليل جاءت الأخبار تترى تحمل تباشير النصر.
منذ تلك اللحظة وكلما مرت بى لحظة قلق أو جاءتنى الأنباء بما لا يسر النفس، أسترجع ما حدث يوم موقعة الجمل، وأقول لنفسى قارن هذه بتلك ؟ وستجد أنه كلما بذلت جهدك وأفرغت طاقتك فلا قلق إذن ! العبرة دائما بما تقدمه أنت من جهد وعرق وتترك الباقى على الله سبحانه وتعالى وهو وحده من يقرر ويقضى ويحكم ولا معقب لحكمه.
بعد انتهاء التصويت فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ومع تأخر اعلان النتائج اتصل بى كثيرون واستقبل بريدى الإلكترونى عشرات الرسائل تحمل قلقا وشكا وقصصا عن المؤامرات، وكنت أقول للجميع طالما بذلتم الجهد استريحوا واتركوا الباقى لله سبحانه وتعالى ولن يخذل شعب مصر العظيم . كان البعض وكأنما يرمينى بطرف عينه مرددا: ما بال هذا الرجل لا يدرك حقيقة الأمور!.
يوم إعلان النتائج الأحد 24 يونيو التقينا فى المركز الإعلامى لحملة الدكتور محمد مرسى، القلق سيد الموقف، لا أحد يريد أن يسمع إلا أخبار النتائج، على يمينى كان يجلس أحد قيادات حزب الحرية والعدالة، كنا نتجاذب أطراف الحديث عن الانتخابات، ولما حاولت الخروج من الموضوع استبد به القلق، وظل على موقفه بمتابعة الانتخابات وأنا محتفظ بقدر كبير من التفاؤل ولم يساورنى شك للحظة فى نجاح الدكتور محمد مرسى، ولقد عبرت عن تفاؤلى بفوزه مبكرا ونحن عائدون من جولته الانتخابية فى طنطا والمحلة الكبرى.
فى ذلك اليوم شعرت بأن الألوف المؤلفة التى خرجت تهتف له وتغنى وتنشد وتفرح وتصفق وتهلل، لن يخذلها الله، من يومها قلت فى نفسى هذا الرجل سيكتب له النجاح وقد كتبت عدة مقالات فى هذا الصدد، خصوصا مقال ( تباشير النصر ... شكرا للمغتربين ) وهو المقال الذى كتبته بعد إعلان نتائج التصويت فى الخارج والتى كانت لصالح الدكتور محمد مرسى.
قد تسألنى وهل ما زلت عند تفاؤلك ؟ أقول لك نعم فما شاهدت بعد اعلان النتيجة النهائية فى التحرير أو أمام بيت الرئيس محمد مرسى ( شقة بالإيجار ) فى التجمع الخامس، أقول نعم أنا متفائل، فالطاقة والحيوية التى يتمتع بها شعب مصر والصبر اللا محدود والقدرة على الاستمرار فى التظاهر والتحدى بلا عنف على مدار عام ونصف رغم كل العقبات، ثم التصويت للدكتور مرسى والمجيء به من السجن إلى الحكم رغم كل المصاعب والمتاعب، كلها دلائل ومؤشرات على قدرتنا نحن المصريين على تجاوز الوضع الراهن والعبور من عنق الخلاف والشقاق إلى سعة التعاون والمحبة والإنتاج.
مصر التى نجحت عبر التاريخ أن تصنع تاريخ البشرية وتجعل من نفسها مهدا لحضارة العالم، لم تصنع هذا التاريخ إلا حين رأى الشعب أن قيادته تستحق الوقوف إلى جانبها، وساعتها فمن ذا الذى يتحدى إرادة المصريين!
المصريون بنوا الأهرامات من هرم زوسر ( 3630 ق م ) إلى خوفو وما تلاه فى 2585-1640 ق م ) ، ورفعوا على أكتافهم جامع الأزهر(970-975) ، المصريون هزموا القوات الصليبية وأسروا لويس التاسع فى معركة المنصورة ( 1250 م )، وهزموا التتار فى عين جالوت (1260 م )، ووقفوا مع محمد على ( 1805 م ) وهو يحارب المماليك والإنجليز وكانوا جنودا مخلصين له وهو يبنى الدولة الحديثة، وحفروا قناة السويس (1859 -1869 م ) وبنوا السد العالى ( 1960-1968 م ) وعبروا قناة السويس وهزموا الصهاينة (1973 م) وأطاحوا فى أول ثورة فى تاريخهم برئيس دولتهم ( 2011 م ) لأنه سخر منهم ذات يوم وقال "خليهم يتسلوا".
هذا شعب عظيم يعرف كيف يساند حكامه خصوصا المخلصين، يعرف أن المجد مشترك بين حاكم له رؤية وعنده مشروع ولديه قدرة وإرادة، وبين شعب مخلص يهب نفسه لبناء تاريخ يفاخر به بين الأمم، وليس صحيحا أن الشعب يقف مع حاكمه خوفا أو رهبا، كما يرى بعض المتنطعين.
آخر السطر
المطلوب هو أداء ما أنت مكلف به على نحو متميز ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ثم ارفع يديك إلى السماء، وستأتيك الأنباء السارة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ام بسمله
مقال رائع
مقال رائع يا دكتور جزاك الله خيرا