"الونس، ناس أكلمهم، عايزة حد يهتم بى" هذه العبارات ما تردده المسنات فى دور رعاية المسنين المختلفة التى يشغلونها، وكانت المفاجأة أن كثيرا ممن يسكن تلك الدور تجاوز الخمسين بعامين أو ثلاث فقط، لغياب الاهتمام المباشر من الأهل والأصدقاء كان الحل الوحيد السكن فى مكان يجمع كثيرات من نفس السن للمشاركة فى حوار وحياة يقتل الملل والإهمال.
"اليوم السابع" قضى يوما مع بعض المسنات، ليتعرف على مشكلاتهن ويحلم معهن بغد جميل.
تحكى زينب فؤاد قصة حياتها قائلة: "أنا أخت متوسطة الترتيب بين إخواتى حيث يكبرنى اثنان ويصغرنى اثنان، ومرت الحياة بكل ما فيها من حلو ومر، والكل يكبر بين أحضان الأبوين، وتزوجوا جميعا ومرت بى الأيام دون زواج حتى اقتربت من الخمسين وشاء القدر أن أكمل نصف دينى فى هذا العمر من إنسان كنت عليه "قدم السعد"، وكنت أشاركه فى الإنفاق على المنزل دون ضيق، وإنما عاهدته على التعاون، وبعد مرور سنة على الزواج وبدون مقدمات وجدتنى أحمل لقب "مطلقة" دون ذنب اقترفته سوى أنى لا أنجب، ولى سؤال، هل إذا أصاب الإنسان مرضا ما أو حرم نعمة ما ألا يعامل كإنسان كامل الأهلية، وأعلم تماما بأن الأبناء نعمة ولكن سبحانه مقسم الأرزاق يعطى الإنسان نعم ويحرمه أخرى حتى تنفذ حكمة الخالق فى عباده، وليعلم الإنسان قدرة المولى عز وجل فى المنح والمنع وقد يكون هذا ابتلاء أو بلاء، ولكن يظل الأمر أنه قضاء مكتوب على الإنسان وعليه الرضا به".
وتقول، بعدما تعرضت لهذا الموقف وجدتنى وحيدة وحاولت العيش فى بيوت إخواتى إلا أنى لم أجد الرعاية التى أتمناه فإن كل منهم مشغول بحياته، ووجدتنى استسلم للراحة بل أصبحت أعانى نوعا من الاكتئاب يتملكنى خاصة بعدما قمت بإجراء جراحة التى فرضت على الجلوس على كرسى متحرك بعض الوقت، ومنذ ذلك الحين فضلت البحث عن دور للمسنين أعيش فيه، ويكون لى مكان بين مجموعة من نفس سنى ولهن ظروف فرضت عليهن البعد عن الأهل.
وهذا ما تؤيده إيمان عبد الحى حيث تقول أبلغ من العمر 52 عاما، وأعلم أن هذه السن صغيرة على أن أكون من بين عشرات المسنين فى دار واحدة، ولا يجب أن نتعامل على أننا كهول نحتاج إلى الخدمة، بما يعنى أننا أصبحنا مثل خيل الحكومة ننتظر الرمى بالرصاص لإنهاء الخدمة، وأعلم أنه لا يزال أمامى ولمن هم فى مثل سنى الكثير لتحقيقه إلا أن قسوة الدنيا وشدتها جعلتنى أهرب من العالم الخارجى وأدخل هذا العالم الذى يحياه المسنون، رغم أن أحبائى بالخارج يفتقدون إلى مثلما افتقدهم، ولكن وجدتنى أعيش فى أى دور المسنين أفضل، حيث تنقلت بين العديد منها وأخيرا كان اهتمامى بأن أكون فى دار قريبة من مسكن ابنتى التى تاتينى باستمرار هى وحفيدى الذى بلغ هذا الشهر عامه الأول، وتواجدى بالدار جعلتنى أخاف على مساحة المحبة بينى وبين زوج ابنتى فلا أكون ضيفة ثقيلة عليه فى البيت، كما أن ابنتى وزوجها يتمكنون من الاطمئنان على باستمرار، وفى معاملتهم أجد الحب والحنان الذى افتقده لعدم رؤية ابنى حيث عمله فى أقصى حدود مصر مع أبيه مما يجعله يطمئن على ولكن على فترات متباعدة، "وربنا يسامحه أبوه اللى استولى على شقتى وخرجنى منها وطلقنى بعد عشرة العمر".
"لكن أنا مش مسامحاه" تلك العبارة ترددت على مسامع الجميع وكانت ترددها هدى حسن حيث تقول "إيه الضمان الذى يمكن أن تأخذه الزوجة من الزوج حتى تأمن خبثه وغدره"، لقد عانيت من خيانة زوجى مرتين الأولى عندما قام ببيع شقتنا التمليك دون استشارتى رغم أن أغلب رأسمالها من مالى الخاص واستأثر بكل المال له، ورغم ذلك تجاوزت الموقف وبحثنا على شقة أخرى إيجار جديد وبعد عدة أشهر وجدت زوجى يغير "كالون" الشقة ويتركنى خارجها لأنه فضل الزواج من "بنوتة"، لا يتجاوز عمرها 25 عاما لأنه "عايز يجدد شبابه وهنا وجدتنى ليس لى خيار إلا أن أبحث على سكن آمن يأونى بمبلغ بسيط وأكون فى صحبة أناس اطمن إلى وجودى معهم، حيث يهتمون بى إذا ما ألم بى مرض، خاصة إنى تجاوزت 65 عاما، وأصبحت أعانى السكر وارتفاع فى ضغط الدم.
وفى إحدى الغرف كانت تجلس بمفردها الحاجة نعيمة مصطفى التى جاوزت 80 من عمرها، ولكن الحالة التى تعيشها تدل على إنها ابنة الأربعين حيث العنفوان والسيطرة وقوة الذاكرة والرغبة فى التحكم فى كل شىء وفى أى أحد، وهذا كان مثار خلاف بينها وبين أبنائها الذين عانوا الأمرين من تدخل الأم فى شئونهم الصغيرة قبل الكبيرة، حيث إنها غير مقتنعة إلا برأيها الذى يجب أن يطاع وينفذ دون حوار أو جدل، لأنها أكثر الموجودين خبرة ولأنها أكثر فهما لشئون الحياة، وهذا كان السبب الأصيل فى خلق مشاكل لا حصر لها سواء مع الجيران أو الأصدقاء أو مع أزواج الأبناء، وهذا ما جعلهم يجمعون على توفير سكن للأم فى دار مسنين ترعاها وتؤنس وحدتها، وذلك تجنبا لمزيد من المشكلات التى كانت تحدثها الأم مع الجميع ، وتشير الحاجة نعيمة إلى أن وجودها فى هذه الدار يؤلمها كثيرا، لأنها تعبت من فراق الأبناء والأحفاد، كما أنها لا تزال ترغب فى العيش بصورة طبيعية تذهب وتجىء فى كل مكان دون التقيد بالمكوث فى مكان لا تعرف فيه أحد وتطلق عليه دار "إيواء".
وتختتم الحديث الحاجة حميدة رضوان التى ترتسم على وجهها سمات الحنان والوداعة، إلا أن قسمات وجهها برزت عليها عدد السنين حيث تجاوزت 77 من العمر، وفى هدوء جميل قالت: "لى ابن واحد وكنت أتمنى ان أرى أحفادا لى يملئون على الدنيا ألاعبهم وأكون لهم الجدة الحنونة التى تصرف عليهم ما تملك، فقط لترى البسمة على وجوههم الصغيرة وفى سبيل تحقيق هذا تكبدت الكثير لإقناع ابنى بالزواج وكل يوم كنت آتية بصور فتيات يختار منهن من يرتاح إليها ويقابلها لعل يكون بينهما ألفه وتكون شريكة حياته، وفى ذات مرة وجدته مبتسما مقبلا على إتمام زواجه من إحدى زميلاته بالعمل ورغم عدم ارتياحى إليها إلا أنى وافقت على اختياره، لأنها حياته وله أن يخطط لها كيفما شاء وجعلت له "تحويشة العمر بين يديه " يدبر بها حالة وتنازلت له عن الشقة التى نقطنها سويا حتى يبدأ فيها حياته الجديدة وهو رافع الرأس أمام شريكة حياته وتعرف أن هذه شقته باسمه وسوف أكون فقط ضيفة عليهم دون أن يشعروا بى ولن أسبب لهم أى مضايقات، وسوف اكتفى بحجرة صغيرة تكفى لسرير ودولاب، وفى أدب جم عشت الشهور الأولى مع ابنى وزوجته التى كانت تختلق المشاكل معى وتفسد على الحياة وتشتكى لزوجها دائما من وجودى، وابنى كان نعم الابن البار بأمه فلم يتجاوب معها أبدا إلا أنى توسلت إليه بكل غال عنده وبرحمه أبيه إذا كان يريد راحتى فليكن مع زوجته وأبنائه ويبحث لى عن دار للمسنين أكون فيها بصحبة رفقاء تجمع بيننا الوحدة وكبر السن ونحتمى مع بعضنا من قسوة الأيام وإهمال الأهل والأصدقاء، وبعدما مرت على شهور فى هذه الدار أرانى موفقة فى تقديرى للأمور، إلا أن حنينى لرؤية أحفادى هو الذى يؤلمنى وأتمنى أن أكون معهم ليل نهار، وهذا يقوم به ابنى حيث يطمئن على باستمرار واذهب معه أحيانا بعض الأيام العاب أبنائه واقضى معهم وقتا ثم أعود إلى دار المسنين حيث الأصدقاء الذين تعودت عليهم.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
برجاء اختصار المقال !!!؟؟ لأنه طويل جدا !! وعبال الواحد مايخلصه !! هيكون المسنين !!
ماتوا !!
عدد الردود 0
بواسطة:
هاشم عمر
ربنا يسعدكم