أكد خبراء اقتصاديون، أن أولويات السياسة النقدية فى مصر يجب أن تركز على إزالة تشوهات سعر الصرف واستهداف التضخم لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات واحتواء التوقعات بارتفاع الأسعار، محذرين من الآثار السلبية الناجمة عن استمرار معدلات التضخم المرتفعة على كافة قطاعات الاقتصاد المصرى.
وقال الخبراء - خلال حلقة نقاشية نظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بعنوان "أولويات السياسية النقدية واستهداف التضخم"، اليوم بمشاركة نخبة من خبراء الاقتصاد المصريين والأجانب - إنه من الضرورى استهداف سعر صرف توازنى يساعد على تعزيز النمو الاقتصادى واحتواء التكلفة التضخمية للواردات والتخفيف من حدة مخاطر الصدمات على جانب العرض عن طريق تحقيق التوازن بين تشجيع الصادرات
واحتواء توقعات التضخم.
ومن جهته، قال الدكتور محمود أبوالعيون المحافظ الأسبق للبنك المركزى المصرى، إن السياسة الاقتصادية فى المرحلة الانتقالية بمصر ينبغى أن تركز على عدد من المبادئ من بينها ضرورة تصويب مسار الاقتصاد فى تلك المرحلة والسيطرة على الطلب الكلى بالمقارنة بالعرض الكلى للاقتصاد لتجنب الانفلات السعرى والعجز فى ميزان المدفوعات ونضوب احتياطى النقد الأجنبى.
وشدد على ضرورة تخفيض العجز فى الموازنة العامة وإتباع سياسة مالية انكماشية واستعادة فاعلية قوى السوق من خلال وضع تصور لمعالجة الدعم السعرى وعدم تعطيل القوى السوقية، أو التدخل من أجل معالجة الطلب الكلى واستعادة وتطبيق أسس سياسة استهدف التضخم كسياسة نقدية.
وقال الدكتور محمود أبو العيون المحافظ الأسبق للبنك المركزى المصرى إن أولويات المرحلة القادمة فى مصر ينبغى أن تركز على سرعة بناء الاقتصاد ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية واستعادة الاستقرار الاقتصادى من خلال التوسع المالى مع التخفيض التدريجى للعجز فى الموازنة العامة للدولة.
وأضاف أن من بين هذه الأولويات، تعزيز الإدارة المالية والضريبية الجيدة والإنفاق الاستثمارى العام الذى يخلق تنمية مستدامة واستعادة جاذبية السوق المصرية للاستثمارات الخارجية المباشرة من خلال وضع أسس واضحة بالدستور للإدارة الاقتصادية للبلاد وتشجيع الطلب الخارجى على السلع والخدمات المصرية من خلال تحسين إدارة سوق الصرف الأجنبى.
وتابع "أن التصحيح الاقتصادى بمصر ضرورى للانطلاق مستقبلا"، مشدداً على أن السياسة النقدية المستقبلية فى مصر تستلزم تبنى سياسة نقدية توسعية خالقة لظروف موائمة للاستثمار الخاص وسياسة مالية توسعية مع ضبط العجز وتمويل العجز من مصادر محلية وخارجية غير تضخمية.
وأشار إلى أن البنك المركزى المصرى لم يعلن نهاية المرحلة الانتقالية التى بدأها عام 2005 حتى الآن، منوهاً بأن البنك لم يعلن أيضا عن القيمة المستهدفة لمعدل التضخم فى مصر حاليا. وأوضح أن الهدف التشغيلى للسياسة النقدية التى يتبناها البنك المركزى المصرى منذ عام 2005 تركز على سعر الفائدة لليلة واحدة فى سوق الإنتربنك الذى بدأ بسعر مرتفع تراوح ما بين 5ر9 و5ر12% وبهامش 3% إلا أنه خفض بسرعة ليتراوح ما بين 8 و10% وخفض الهامش إلى 2%.
وقال إن البنك المركزى زاد سعر الفائدة لليلة واحدة بسوق الإنتربنك أيضا بسرعة شديدة ليتراوح ما بين 5ر11 و5ر13 فى المائة خلال السنة المالية 2008 – 2009، مضيفاً أن البنك المركزى اتخذ قرارا فى أبريل الماضى بخفض نسبة الاحتياطى الإلزامى على الودائع بالعملة الوطنية من 14% إلى 12% دون إفصاح عن الأسباب فى الوقت الذى أظهرت فيه البيانات الشهرية للسيولة النقدية عدم نمو الائتمان الموجه للقطاع الخاص مع استحواذ الحكومة على الجزء الأكبر من الزيادة فى الأصول المحلية المقابلة للسيولة المحلية.
وقال الدكتور محمود أبوالعيون المحافظ الأسبق للبنك المركزى المصرى إن البنك المركزى خفض نسبة الاحتياطى الالزامى، وحرر جانب من احتياطيات البنوك المحتفظ بها لديه (البنك المركزى) فى محاولة لتوفير موارد للبنوك كانت محتجزة لديه لاستخدامها بواسطة تلك البنوك فى تمويل طلب الحكومة لتوفير التمويل المقابل للعجز فى الموازنة العامة للدولة.
ونوه بأن أسعار العائد على أذون الخزانة انخفضت عقب سريان قرار خفض نسبة الاحتياطى الالزامى على الودائع بالعملة المحلية، موضحاً أن الأداة غير المباشرة الوحيد المستخدمة من جانب البنك المركزى بكثافة تمثلت فى عمليات إعادة الشراء (الريبو) من خلال مزادات آخرها فى الثانى من مايو الجارى بمبلغ 22 مليار دولار لمدة ستة أيام بفائدة بلغت 75ر9%.
وأشار إلى أن البنك المركزى أعلن قبل الثورة مباشرة عن مزادات قبول ودائع بشكل دورى بمبلغ 35 مليار جنيه لامتصاص فائض السيولة من البنوك إلا أنه توقف عن ذلك منذ 26 يناير عام 2011.
وقال إنه على الرغم من وصول أسعار العائد على أذون الخزانة إلى حوالى 9ر15% قبل التخفيض الأخير لنسبة الاحتياطى الإلزامى إلا أن لجنة السياسة النقدية وصلت بسعر العائد لعمليات (الريبو) لمدة سبعة أيام إلى 75ر9% سنويا.
وفيما يتعلق بإدارة السياسة النقدية فى مصر، أوضح محافظ البنك المركزى الأسبق أن القانون نص على أن هدف السياسة النقدية يحدد من خلال التنسيق بين البنك المركزى والحكومة عبر مجلس تنسيقى إلا أن تشكيل ذلك المجلس مازال غير معلن بل أنه فى الماضى كان يضم مصريين لا يعيشون بمصر.
وأشار إلى أن تشكيل لجنة السياسات النقدية الحالى والتى تضم أعضاء مجلس إدارة البنك المركزى ومن بينهم رئيسا بنكى القطاع العام الرئيسيين غير سليم لأن الإدارة المصرفية تختلف عن الإدارة النقدية.
وأوضح أن الائتمان الممنوح للحكومة اعتبارا من عام 2009 زاد بمعدلات كبيرة بينما لم يزد الائتمان الموجه للقطاعين الخاص والعائلى سوى بمعدلات معتادة، مشيراً إلى أن الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية زادت عام 2011 بينما انخفضت الأصول الأجنبية لدى البنك المركزى.
وفى السياق ذاته، قالت الدكتورة رانيا المشاط وكيل المحافظ المساعد للبنك المركزى المصرى إن كافة مؤسسات الدولة المعنية بإدارة الاقتصاد ينبغى أن تشارك بفاعلية فى جهود خفض التضخم، موضحة أن تلك الجهود لا ينبغى أن تحد من النمو الاقتصادى والتوظيف.
وأضافت أن الدول التى استهدفت التضخم عقب الأزمة المالية الدولية عام 2008 نجحت فى تحقيق التعافى الاقتصادى بشكل سريع، مشيرة إلى أن متطلبات استهداف التضخم تستلزم ضبط المالية العامة وبناء قطاع مصرفى قوى وسيولة مرتفعة وتعزيز استقلالية البنك المركزى والشفافية والتواصل مع الأطراف المعنية وإرساء بنية تحتية نقدية قادرة على التحليل الاقتصادى والارتقاء بجودة البيانات الاقتصادية وتفعيل التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية.
وأشارت إلى أن أسعار السلع الغذائية شهدت ارتفاعات متتالية على مدى السنوات القليلة الماضية نتيجة التشوهات السعرية الناجمة عن الممارسات الاحتكارية والعجز فى المعروض من السلع نتيجة نقص الإنتاج وزيادة الصادرات والاختناقات فى المعروض نتيجة القصور فى قنوات التوزيع.
وحذرت من أن معدلات التضخم المرتفعة بمصر تؤثر سلبا على التنافسية المصرية، مشددة على أن البنك المركزى اتخذ إجراءات فعالة لكبح التضخم من بينها تشكيل لجنة منبثقة من مجلس إدارته تسمى لجنة السياسات النقدية وصياغة نمازج متطورة للتنبؤ بالتضخم والتواصل مع الأطراف المعنية بكبح الضغوط التضخمية.
وأكدت أن المودعين المصريين لم يفقدوا ثقتهم فى الجهاز المصرفى رغم الأوضاع الاقتصادية غير المواتية، لافتة إلى أن خفض الاحتياطى الإلزامى للودائع بالعملة المحلية بالبنوك إلى 12\% استهدف دعم النظام النقدى.
ونوهت بأن حوالى 60% من الضغوط التضخمية ترجع إلى تضخم الواردات بينما يرجع 20% من تلك الضغوط إلى صدمات العرض، مشيرة إلى أن حجم احتياطى النقد الأجنبى يرتبط بالتعافى الاقتصادى.
ومن جانبها ، شددت الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية على أن سياسة سعر الصرف ينبغى أن تدار بما يتفق مع الركائز الرئيسية للعرض والطلب من العملة الأجنبية لتجنب التشوهات فى سعر الصرف، موضحة أن صدمات الأسعار العالمية والتقلبات التى يشهدها الاقتصاد العالمى فضلاً عن مرونة الأسعار المحلية تجاه تقلبات أسعار الصرف حدت من قدرة البنك المركزى على استهداف التضخم.
وقالت إن أولويات السياسة النقدية المصرية يجب أن تركز على استهداف التضخم لزيادة القدرة التنافسية للصادرات واحتواء التوقعات بارتفاع الأسعار، مؤكدة على ضرورة تفعيل آلية استهداف التضخم وتدعيم دور الوساطة المالية فى تنشيط الاقتصاد وتعزيز استقلالية البنك المركزى فى إدارة السياسة النقدية.
وأوضحت أن السياسة النقدية فى مصر شهدت تقدما ملحوظا منذ أوائل عام 2004 تمثلت فى إعادة تشكيل استراتيجية السياسة النقدية بما فى ذلك الأهداف النهائية والمتوسطة والتشغيلية وتحديث الإطار التنفيذى واستراتيجية التواصل.
وأضافت أن معدلات التضخم فى مصر تباينت مع الصدمات العالمية والضغوط المحلية، مشيرة إلى أن الضغوط التضخمية تصاعدت عقب ثورة 25 يناير نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض سعر صرف الجنيه مع نقص المعروض السلعى.
وأوضحت أن الاقتصاد المصرى شهد انكماشا حادا بفعل تباطؤ الطلب على المستويين المحلى والخارجى منوهة سعر صرف الجنية المصرى انخفض نتيجة ضعف النمو الاقتصادى وتباطؤ الطلب الخارجى وارتفاع التدفقات الاستثمارية الخارجة.وفى السياق ذاته، أوضح محمد تيمور الخبير الاقتصادى أن سياسة البنك المركزى المصرى تركز حالياً على تثبيت سعر صرف العملة المحلية وهو ما تزامن مع رفع سعر الفائدة ، منوها أن تلك السياسة أدت إلى تدهور احتياطى النقد الأجنبى وارتفاع معدلات الفائدة.
وأشار إلى أن الوقت موات حالياً لإعادة النظر فى سياسة تثبيت أسعار الصرف بشكل موضوعى لأن تلك السياسة تفاقم مشكلة البطالة.
خبراء: تفعيل السياسة النقدية رهن إزالة تشوهات سعر الصرف
الأربعاء، 09 مايو 2012 10:08 م