أخيراً وبعد تردد طويل حسم «د. البرادعى» - المدير العام السابق لوكالة الطاقة النووية - أمره، وأعلن فى مؤتمر صحفى عقده هذا الأسبوع فى نقابة الصحفيين المصريين، عن بدء إجراءات تشكيل حزب برئاسته باسم «حزب الدستور».
وعندما برز اسم «د. محمد البرادعى» على الساحة السياسية المصرية فى نهاية عام 2009، أثار إعلانه عن استعداده لخوض معركة الانتخابات الرئاسية، موجة عارمة من التفاؤل، وبدا لكثيرين من المصريين، الحل الموفق السعيد لأزمة الركود السياسى الذى تعانى منه مصر، والبديل الأكثر ملاءمة لكى يحل محل الرئيس السابق «حسنى مبارك» بعد انتهاء فترة رئاسته الخامسة فى خريف عام 2011، والمخلص القادر على تجنيب مصر ويلات كابوس التوريث.
لكن «د. البرادعى» وضع أيامها شروطا شبه مستحيلة لاشتراكه فى السباق الرئاسى، كان من بينها مطالبته بإدخال تعديلات دستورية وقانونية تكفل تيسير شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية، وتضمن إجراءها - هى والانتخابات البرلمانية- تحت إشراف قضائى كامل.. وهو ما اعتبره كثيرون، كنت من بينهم، بمثابة اعتذار عن خوض المعركة، إذ لو كان ذلك ممكنا دون نضال، لما كانت هناك حاجة من الأصل لأى مخلص سواء كان الدكتور «البرادعى» أو غيره.
أيامها كتبت أدعو المدير السابق لوكالة الطاقة النووية إلى أن يعود إلى بلده، لينضم إلى التيار الذى كان يناضل آنذاك من أجل تحقيق إصلاحات سياسية ودستورية ديمقراطية، تنطوى على ما يطالب به، وتتخطاه إلى ما هو أشمل منه، فإذا تحققت، كلها أو بعضها، خاض السباق الرئاسى، وإذا لم تتحقق نفذ إلى هذا السباق من الثغرة الدستورية الوحيدة فى جدار الشروط التعسفية التى تحول دون ترشحه، بأن ينضم إلى حزب من الأحزاب القائمة الممثلة فى مجلس الشعب.. وهو ما كان جناح قوى فى «حزب الوفد» يرحب به، بحكم أن «د. البرادعى» ينتمى إلى أسرة وفدية عريقة!
وكان ذلك ما فعله كثيرون على صفحات الصحف، التى تبنت واحدة أو أكثر منها حملة الترويج لـ«البرادعى» رئيسًا، انطلاقا من توهمها بأنها تستطيع أن تصنع الأخبار وليس فقط أن تنشرها، ومن الصحف انتقلت حملة الترويج للبرادعى رئيسًا، إلى شاشات الفضائيات، ومنها إلى آلاف المواقع الإلكترونية التى كان يحررها شباب ساخطون محبطون، يبحثون عن أى بديل متاح للنظام السابق، فبدا لهم أن المدير العام السابق لوكالة الطاقة النووية هو مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر من الركود ومن التوريث، مع أنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عن الرجل، ومع أنه هو نفسه لم يكن يعرف الكثير عن أحوال مصر الداخلية، التى لم يسبق له أن أبدى فيها رأيًا، أو خاض على ساحتها نضالاً.
ولأن البرادعى لم يكن يعرف الكثير عن أوضاع مصر الداخلية، أو يملك تصوراً للنظام البديل الذى يحل محل النظام الذى انتهى عمره الافتراضى، فقد اكتفى بطرح برنامج يقتصر على الأمور الإجرائية المتعلقة بنزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، من دون أن يطرح رؤية للمستقبل، وعلى العكس مما هو منطقى، فإن هذا الغموض فى شخصيته وفى أفكاره، كان من أهم عوامل جماهيريته الواسعة، خاصة بين الشباب إذ أتاح لهم مساحة واسعة لإسقاط أحلامهم الوطنية غير المتبلورة على شخصه، حتى أصبح بعضهم أقرب إلى المريدين الذين يتحلقون حول قطب الرجال المتجلى الذى جاء ليملؤها عدلاً ونوراً، بعدما ملئت ظلما وجوراً، فما يكاد الواحد منهم يقول «يا برادعى هات».. حتى يقول له على الفور «خد»!
وكان الذى يعرفه الجميع: سعى الباحثون عن مخلص من دراويش البرادعى للاتصال به فى مقر عمله بـ«فيينا» يطلبون إليه العودة إلى مصر، ونظموا له استقبالاً فى مطار القاهرة، قادتهم المبالغة إلى المقارنة بينه وبين استقبال المصريين لـ«سعد زغلول» عند عودته من منفاه عام 1921، وفى أول اجتماع لهم به، كان يفترض أن يكون للتعارف، أجبروه على تشكيل الجمعية الوطنية للتغيير، كإطار منظم للعمل ما لبث أن تفكك بعد شهور، بسبب غيابه الطويل عن مصر، وبسبب الخلاف بين القوى السياسية التى احتشدت فى قيادتها وعدم انسجام الرؤى فيما بينهم وبينه، وفيما بينهم وبين بعضهم البعض.
وخلال العام الذى انقضى بين ظهوره على الساحة السياسية المصرية وبين ثورة 25 يناير التى انفجرت، بينما كان - كالعادة - خارج البلاد، تبلورت إشكالية البرادعى السياسية فى ثلاثة وجوه مترابطة:
> الأول هو تركيزه على المطالب الإجرائية الخاصة بنزاهة الانتخابات من دون أن تكون لديه رؤية واضحة للبديل الذى يحل محل النظام السابق، وهى المطالب ذاتها التى كانت تركز عليها جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة، مع فارق مهم، هو أن الجماعة كان لديها بالفعل مشروع بديل، تسعى - بقصر برنامجها المطلبى على المسائل الإجرائية - إلى إفساح الطريق أمامه، عبر الاحتكام إلى صناديق الانتخاب.. وقد حققت ثورة 25 يناير هذه المطالب الإجرائية، وأجريت الانتخابات النزيهة، لتفوز فيها ويصبح مشروعها هو المشروع البديل للنظام السابق وليس مشروع البرادعى الذى قال إنه لن يطرحه إلا عندما يكون مرشحًا للرئاسة.. ثم انسحب من السباق قبل أن يطرحه.
> الوجه الثانى أنه رفض كل شكل من أشكال التنظيم، على الرغم من إلحاح مريديه عليه، وقبل تشكيل الجمعية المصرية مضطراً، ثم تخلى عنها باختياره، ولم يطرح خلال ما يقرب من ثلاثة أعوام، بديلاً تنظيميا لها، بسواء على شكل حزب أو ائتلاف ثورى، أو اتحاد وطنى، أو غيرها من المسميات التى شاعت قبل الثورة أو بعدها، ولم يسع لبناء جبهة وطنية تحقق هدف التوافق حول مشتركات وطنية تكون الأساس الذى يقوم عليه البديل الثورى الديمقراطى للنظام السابق.
> الوجه الثالث: أنه لم يتحمس بالقدر الكافى للاتصال المباشر بالجماهير، وقصر صلته بها على وسائل الاتصال الإلكترونية كالفيس بوك وتويتر وغيرهما، وهى مجرد وسائل يمكن أن تصلح كوسيلة للحشد والتعبئة حول شعارات عامة، أو مواقف مؤقتة، ولكنها لا تكفى وحدها لبلورة رؤية سياسية موحدة، أو تكوين إرادة سياسية موحدة.. إذ الذى يحقق ذلك هو العمل الحزبى المنظم الى يقوم على علاقة الوجه بالوجه على الاتصال المباشر والعمل اليومى المتصل بين أعضاء الحزب!
تلك هى الإشكاليات الثلاث التى وقع فيها البرادعى، والتى أحبطت الآمال العريضة التى أسقطها عليه الدراويش الذين أحاطوا به عندما ظهر على الساحة السياسية قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، ولو أنه لم يكن قد وقع فيها، لكانت الأوضاع فى مصر فى أعقاب ثورة يناير قد تغيرت عما انتهت إليه اليوم، لكن عدوله عن هذا الخطأ الآن، بإعلانه عن تشكيل «حزب الدستور» ليكون حزب الثورة، لا يعنى أن الآمال التى تعلقت به قد أصبحت قريبة أو سهلة، لأنه تصحيح يأتى بعد الأوان، وبعد أن تغيرت الخريطة السياسية، وأصبح فى مصر 54 حزبًا غير مئات الائتلافات تدعى تمثيل الثورة، وفقد «البرادعى» عباءة المخلص الذى جاء ليملؤها عدلاً ونوراً.. بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
عدد الردود 0
بواسطة:
حنفى محمد عباس
الرجل الغامض
عدد الردود 0
بواسطة:
مروة خليل محمد
تحليل دقيق يا استاذنا الفاضل
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
نساعد بعض
عدد الردود 0
بواسطة:
mando
ان كنت تريد الحق فاكمل !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
بنت مصر بكندا
لا يا سيدي
عدد الردود 0
بواسطة:
mido
لا يجب ان ننسى ما تعرف له الرجل بعد الثورة حتى عندما يصمت
البرادعي يريد ديمقراطية حقيقية
عدد الردود 0
بواسطة:
درويش ..كما تسمينا
تأكد رأيي فيك يا رفيق
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصري حر
الدكتور البرادعي أحق الناس برئاسة مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
HOSAM HOSIN
كفر الشيخ
او
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
أمل مصر