تثبت اتجاهات التصويت أن الشعب المصرى أكثر وعيا من نخبته وأحزابه، فهو صوّت بأغلبيته لفصائل الثورة ممثلين فى أبوالفتوح، وحمدين، ومرسى باعتبار الإخوان كانوا جزءا من الثورة قبل التعزز عليها والانفصال عن فصائلها، لكن الشعب صوت أيضا بجدارة فى اتجاه إحداث التوازن، فمال عن منح الإخوان تأييدا واسعا، كما كان الأمر فى الانتخابات البرلمانية، بما جعلهم لا يحصدون هذه المرة إلا نصف ما حصلوا عليه فى البرلمانية، بينما حصل حمدين وأبوالفتوح وحدهما على ما يزيد عن تسعة ملايين صوت، ولا جدوى من أى قراءة سطحية لا تراعى إصرار المصريين على إحداث التوازن ورفضهم للاستحواذ، كما لا قيمة للمراهنة على أن الناس ستقف بشكل تلقائى إلى جوار مرشح الإخوان لتجنب عودة النظام السابق، فالناس تدرك أن النظام السابق فزاعة للإخوان أكثر من كونه فزاعة للشعب، إذ تعرف الثورة كيف تتعامل مع رموز النظام السابق وعرفت الطريق إلى إسقاطهم، بينما أن الغالبية أفصحوا بوضوح عن تخوفهم من الاستحواذ الجديد الذى ربما لا يعرفون نتائجه ولا طريقة التعامل معه ولا كلفة مواجهته إن مال للاستبداد.
ما حذرنا منه وقع، فلم تكن لثورة أن تعبر إلى مرحلة الأمان والاستقرار إلا بتوافق واسع بين من شاركوا فيها، ولم يكن ميل الإخوان إلى الهيمنة على السلطة التشريعية إلا إنذارا باتجاه جديد للأثرة والاستحواذ، تأكد فى الطريقة الفجة فى تناول عملية تشكيل الجمعية التأسيسية التى يقتنع الإخوان حتى هذه اللحظة أنهم لم يخطئوا فى تشكيلها وأنهم لم يحوزوا أغلبيتها وأنها كانت نموذجا فريدا للتوافق «!!». وأخيرا تأكد اتجاه الاستحواذ والإقصاء فى مزاحمة الآخرين فى ترشحهم للرئاسة، فلم يكف هذا الفصيل الذى ذاق الأمرين من أنظمة شمولية حيازته للسلطة التشريعية وتحكمه فى الجمعية التأسيسية وإنما اتجه لتأميم السلطة التنفيذية ورأس الدولة أيضا، وهو ما أرسل للجميع رسالة واضحة من أن سلطة شمولية إقصائية جديدة قادمة تعفر الأفق بجحافل أنصارها.
ولا يجدى هنا دفاعا مملا وغير مفهوم وغير ذكى وغير واعٍ بأن ذلك ليس استحواذا وإنما ممارسة للديمقراطية، فقد ذكرناهم فى كل خطوة أننا لسنا فى حالة ديمقراطية وإنما فى حالة ثورية، وأن الديمقراطيات تديرها الأغلبيات، بينما الثورات تقوم وتُدار بالتوافق بين أطرافها، وأن مقتل الثورة هو باتجاه فصيل للانفراد بقطف الثمار قبل نضوجها ليسبق أشقاءه، إذ النتيجة هى أن شجرة الثورة ستكون مهددة بالاقتلاع. وذكرناهم أن المثل الذى يضربونه لشبابنا الأعزاء فى صفوف الإخوان بشأن عدم الهبوط من الجبل لجمع الغنائم قبل اكتمال النصر، وقع فيه الإخوان أنفسهم بأن هبطوا إلى السهول يجمعون ثمار الثورة قبل انتصارها، وأقنعوا أنفسهم أن الثورة انقضت وحان قطاف ثمارها، ثم فوجئوا بالمخاطر تحيط بهم فتنادوا لمواجهتها بشرط أن تكون الثمار لهم من دون بقية أنصار الثورة. وكان الطبيعى ألا يستمع لندائهم إلا من والاهم وأن لا ينصت لاستغاثتهم إلا من يرى نفسه منتميا لجسدهم ونصيرا لفكرهم.
ووصلنا لهذه اللحظة التى كانت بالنسبة لنا كابوسا بعيدا، فأصبح الناس مخيرين بين أن يصوتوا للاستحواذ أو أن يصوتوا لرمز النظام السابق، واعتقد الإخوان بخطأ جديد، أن الناس ستلتف من حولهم فجأة لنصرتهم خوفا من القديم، بينما أن الواجب عليهم، لو استفاقوا من الغرور الذى غلف أداءهم السياسى الضعيف خلال الفترة السابقة، أن يدركوا عظم الخطر ويتقدموا فورا بمبادرات تنم عن تواضعهم وإدراكهم أخيرا أن نجاح الثورة رهين بالتوافق وليس بسياسة حافة الهاوية.
ونعتقد أن تصويت الناس لمرشح الإخوان لن يحصل إلا إذا وصلوا إلى يقين أن التوافق تحقق، وأن الدكتور مرسى انتقل من خانة مرشح الاستحواذ إلى مرشح التوافق، وهو الأمر الذى لا يحصل إلا بتحقيق ثلاثة مطالب واضحة:
أولا: أن يتم تشكيل جمعية تأسيسية مستقلة وتوافقية حالا بآلية لا يتحكم فيها فصيل، ولا يُتحجج فيها بإجراءات قانونية شكلية عقيمة لا تجدى نفعا، وأن تكون رئاسة الجمعية التأسيسية لشخصية وطنية مستقلة لا غبار عليها.
ثانيا: أن يتم الاتفاق على حكومة ائتلافية ترأسها شخصية مستقلة، على أن يتم تنفيذ ذلك فور انتهاء غبار معركة الانتخابات الرئاسية.
ثالثا: أن يتم الاتفاق على قائمة رئاسية على رأسها دكتور مرسى بنائبين من بين فصائل الثورة، وأن يتم اتخاذ القرارات الجوهرية بأغلبية القائمة.
رابعا: أن تخرج القوى الوطنية التى شاركت فى الثورة لدعوة الناس بوضوح لتأييد الدكتور مرسى باعتباره تحول من مرشح فصيل إلى مرشح توافقى للثورة.
إن هذا المقترحات وغيرها لا تهدف إلا إلى خلق مشروع سياسى وطنى يلتف حوله من صنعوا الثورة، وبدونه فإن انفراط عقدهم هو الأكيد وتكون جميع المخاطر حالة وحقيقية، ولا يقنع أحد نفسه بأن مثل هذه المقترحات التوافقية هى من قبيل الطمع فى السلطة والمناصب، فالطامعون هم أولئك الذين يميلون للاستئثار بكل السلطة وكل الحكم وكل ثمار ثورة شارك فيها الجميع وحاول فصيل الانفراد بدولتها. كما لا يقنع أحد نفسه أن الناس لن تصوت لعودة النظام القديم وإنما ستصوت للإخوان، إذ ينسى هؤلاء أن الشعب المصرى الكريم بالفعل لن يصوت للنظام القديم فى أغلبيته الساحقة لكنه ربما أيضا لا يصوت لاستئثار الإخوان واستحواذهم، وقد يفضل مشاهدة صراع بين مستحوذ قديم ومستحوذ جديد، ثم يقرر مواجهة الفائز منهما فى الميادين والطرقات بموجة جديدة للثورة، نحن أمام لحظات فارقة، ربما تكون الأخيرة قبل أن يقع المحظور ويندم كثيرون وقت أن لا ينفع الندم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل شفيق
كي لا نبكي على شهداء جدد ..
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل شفيق
مصر في حاجة إلى اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري وقوى الثورة ..
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير فواز
للأسف يا دكتور محسوب انهم لا يقراؤن
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد جمال
الامل الاخير
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الجيزاوي
ابتزاز
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم خاطر
ندالة العلمانيين لا جديد
التعليق فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
khaled
مصر فوق الجميع..أمة واحدة....وطن واحد....هم واحد....أمل واحد...شعب واحد...لا للفلول.. لا ل
عدد الردود 0
بواسطة:
طنطاوى
حتى متى
عدد الردود 0
بواسطة:
بهاء
ولا يجدى هنا دفاعا مملا وغير مفهوم وغير ذكى وغير واعٍ
عدد الردود 0
بواسطة:
فرج المصرى
يجب ان نحكم العقل