لقد انتهت قصة القوانين فوق الدستورية على خير، واختفت وثيقة السلمى كما اختفى معها صاحبها وترك الساحة السياسية لنفاجأ بمطالبات لتغيير قوانين الأحوال الشخصية عملا بمبدأ انسف حمامك القديم.. وكأن كل القوانين القديمة كانت عملاً من رجس الشيطان، أو أننا بالفعل فى حاجة لقوانين جديدة تضاف لمتاهة القوانين التى لن تحل شيئاً.
وقبل أن نخوض فى جدوى القوانين الجديدة استرجع ذكريات عشرين عام مضت، وأنا أشد الرحال لأدرس الدكتوراه بالغرب، ومن أول وهلة وأنا أضع قدمى فى أحد الأتوبيسات شبه الخالية تصعد امرأة حامل، فإذا بالرجال يقفون ويتلقفونها كل يريد أن يقدم لها مقعده، بالرغم من أن هناك كثيرا من المقاعد الخالية، وينحنون أمامها وينحنون أمامها باحترام ووقار جميل، ولم أستطيع أن أهرب من المقارنة.
فها أنا ومنذ ساعات خرجت من مصر، وأذكر كم من مرة رأيت نظرة التشفى والتضييق على كل من تركب مواصلة عامة سيدة كانت أم آنسة وحال كل رجل مصرى يقول لها ( إيه اللى جابك هنا روحى اركبى تاكسى ولو ممعكيش فلوس أقعدى فى بيتكم) منتهى الشهامة والإنسانية!
ولما استقر بي المقام فى الدراسة، وكان معى بنفس المعمل اثنان زوجان من الأجانب يدرسان معى الدكتوراه، وقد حباهما الله بطفل جميل يذهب أحدهما لإحضاره قبل أن ينطلقا إلى سكنهما ومرت السنين، وذات مرة وعقب عودتى من مصر محملا بالهدايا للطفل الذى أحببته ذهبت، لصديقى كى أعطيه الهدايا فإذا به يقول هيا نذهب إلى بيت أمه فلقد انفصلنا منذ عام! وذهبنا وأعطى الهدايا للطفل بهدوء وأنا فى حالة من الذهول، فهما يعملان معى فى نفس المعمل، وانفصلا، ويمر عام ولم أعرف، والذهول والدهشة بالتأكيد ليست لفضولى فى أن أعرف، ولكن الدهشة أننى لم أسمع صراخاً وعويلاً، ولم أسمع عن تهديد بالقتل!!!!! أو قضايا متبادلة بتبديد العفش، أو دعوى دخول فى طاعة!!! ولا أحاديث وهمهمة جانبية، ولا محاضر للشرطة بتبادل الأعيرة النارية بين الزوجين وأهليهما، كل ذلك كانت مقارنة إجبارية كان لابد منها؛ لأن رفيقى المصرى والذى يدرس معى فى نفس المعهد كان أول حوار معه على الطائرة، ونحن نكفكف دموعنا سألته أهى أيضا دموع فراق الأهل والوطن؟؟ فقال نعم وزد عليها أن طفلى الذى انفصلت عن أمه لم أره، وأنا أترك الوطن وحديث طويل عن قضايا وأحكام بالحبس تشبه الأحكام التى صدرت ضد المخربين والمتظاهرين وكأنه قد طبقت ضده أحكام الطوارئ التى نعيش بها هذه الأيام!
وتعجبت كيف يحدث هذا الصراع بين الأزواج فى مجتمع الرحمة والإنسانية المجتمع المسلم الذى تدخل فيه النار امرأة لأنها حبست قطة فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض.. مجتمع يدين برحمة الله التى منها يتراحم الناس حتى ترفع الدابة حافرها عن رضيعها كل هذه الرحمة تتهاوى فى لحظات دون شرط أو قيد بين الأزواج.. جهلاء كانوا أو علماء وفقراء كانوا أو وجهاء.. وتدور حرب ضروس، ويقع فيها الضحايا كما وقعت فى حرب البسوس، وتستمر الخصومة سنوات وتتراكم الكراهية فى قلوب أطفال أبرياء تجاه الأم أو الأب ولا أحد يريد أن يتعلم من الواقع، ولا أحد يريد لرحمة الله أن تكون الطريق لرعاية هؤلاء الأطفال، ولا أحداً يريد أن يتخلى عن عناده وأنانيته، وكأن الطلاق الذى أحله الله هو الطوفان الذى لن ينجوا منه أحد وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُّلاً مِنْ سَعَتِهِ"، وتظل القضية كما هى قوانين جديدة تضاف إلى قوانين تاه فيها جهابذة القانون والحل قطعا لن يكون فى قوانين جديدة تختصر فترة حضانة الأم أو تطيل ساعات الرؤية للأب..
الحل أن نوقظ فى قلوبنا وضمائرنا معنى الإنسانية، فالطفل له الحق فى حياة كريمة ينعم فيها بالحنان والأمان، وإن انفصل أبواه فإن لم تنفع الرحمة والإنسانية، فهل نحتاج نحن المصريون قوانين فوق إنسانية؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Doma
انت عاوز تقول أيه؟
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الهوارى
القوانين
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
الكل هارشك يا بركوته يا فلول الفلول