رصدت مؤسسة كارنيجى الأمريكية دور الشريعة الإسلامية فى النظام السياسى فى مصر، وطرحت المؤسسة فى تقرير فى صورة سؤال وجواب لخبير شئون الإسلام السياسى ناثان براون، عددا من التساؤلات عن هذا الشأن، من بينها: ما هى الشريعة وكيف يشعر المصريون إزائها؟ وما احتمالات إدراجها فى الدستور الجديد؟ وما هى الآثار القانونية لو أدمجت مصر الشريعة فى القانون وموقف الإخوان منها؟ ورؤية الشريعة لحقوق المرأة وغير المسلمين؟ وما الذى يجب أن يراقبه الغرب فى مصر؟
وفيما يتعلق بمفهوم الشريعة، تقول كارنيجى إنه مصطلح له دلالات مختلفة جدا وبشكل حاد فى مصر أكثر مما هو عليه الحال فى الولايات المتحدة وأوروبا، وهناك سبب فى أن الكثير من العلماء يصرون على أن القول بأن الشريعة هى القانون الإسلامى أمر ضيق للغاية فى بعض الأحيان، فالشريعة تتضمن مجالات كثيرة عن السلوك الشخصى لا تغطيها بشكل عام القواعد القانونية فى الكثير من المجتمعات مثل تنظيم الصلاة والطهارة، وهى لا تشمل فقط قواعد للمارسات الخاصة والأخلاق والقانون العام، ولكنها تشمل أيضا المكروهات، وإن كانت غير محظورة . والتفسير أو الترجمة الأكثر دقة للشريعة من وجهة نظر براون هو أنها "الطريقة الإسلامية للقيام بالأمور".
ويرى الكاتب أن النقاش بشأن الشريعة الإسلامية فى مصر يمس الكثير من المجالات لكن أكثرها أهمية على الإطلاق هى الأحوال الشخصية والنص الدستورى.
والمٍسألة المثيرة للجدل، يتابع براون، تتعلق بمبدأ أن الشريعة الإسلامية يجب أن تسود فى الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث، فهذا التوافق فى الآراء داخل مصر مستغرب بعض الشىء خاصة، وأن مفهوم الأحوال الشخصية نفسه، والذى يستخدم على نطاق واسع فى مصر اليوم، لا ينبع من التقاليد القانونية الإسلامية، لكن بشكل عام الحديث عن دور الشريعة الإسلامية فى الدستور يحظى باهتمام أكبر من الحديث عن دورها فى قوانين الأحوال الشخصية.
وأصبحت المحكمة الدستورية العليا والعديد من المفكرين والشخصيات الإسلامية يرون أن الشريعة الإسلامية وثيقة الصلة بالقانون الحديث بطريقين، الأول أن الشريعة تقوم على عدد من الأهداف العامة المحددة أو ما يسمى بالمقاصد وهى حماية الحياة أو الدين، والثانية أن هناك تنوعا فى جميع التقاليد القانونية الإسلامية، إلا أن هناك عدداً قليلاً من الأحكام أو النصوص التى لا تُنازع، وهى موجودة بوضوح فى المصادر وصريحة فى معانيها بحيث لايتم التنكّر ويجب أن يتم الالتزام بها.
وعن دور الشريعة فى الدستور الجديد، توقع كارنيجى أن يكون الوضع مثلما كان عليه الحال فى الدستور القديم أو دستور 1971.
ويقول براون إن هناك اتفاقا واسعا ومثيرا للدهشة فى مصر، وإن هناك ترددا فى بعض الأحيان من بعض القوى غير الإسلامية، بأن شيئا أشبه بالمادة الثانية من الدستور سيكون موجودا فى الدستور الجديد، وكانت قد تم نسخها فى التعديلات الدستورية التى تم إقرارها فى مارس 2011.
ورصد التقرير الاختلاف بين موقف السلفيين والإخوان حول دور الشريعة، وقال إنه بينما يريد السلفيون أن ينص الدستور على الاستناد إلى أحكام الشريعة، فإن الإخوان المسلمين يتحدثون عن مبادئها.
وفيما يتعلق بالآثار القانونية فى حال ما إذا تم النص على الشريعة الإسلامية فى القانون، يرى براون أن هذا الامر أقل وضوحا، مشيرا إلى الحاجة أولا إلى النظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والتى تحظى بقبول واسع باعتبارها ملزمة بموجب التفاهمات القائمة فى المادة الثانية..ورغم أن المقاصد ليست مرنة بلا حدود، لكنه عموما يمكن مدها بشكل واسع للغاية. وسيكون من الصعب طرح إلغاء أى قانون تشريعى غير مثير للجدل، أساساً فى مايتعلق بالمقاصد.
غير أن براون يحذر من إمكانية استخدام المقاصد لطرح حجة مقنعة تسقط كل أنواع الأحكام ، لأن هذه المقاصد التى وضعت لمساعدة علماء الشريعة فى تفسيراتهم، ليست مصممة لتكون بمنزلة قواعد دستورية واضحة فى أيدى غير المتخصصين،. فهى تلعب دوراً كبيراً فى المناقشات العامة الحالية حول تطبيق روح القانون وليس مجرد نصه، لكن هذا دور مختلف تماماً عن تشكيل مبادئ قانونية ثابتة وموثوقة. ولذلك من المستحيل تقييم أثر إضفاء الصبغة الدستورية عليها فى ظل غياب أى تفكير فى الأفراد أو المؤسسات التى تستخدمها للاسترشاد بها.
من ناحية أخرى، يشير براون إلى أن الكثير من القلق الدولى حول الشريعة الإسلامية فى مصر ينبع من الدور السياسى المتنامى لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة. فقد أربكت جماعة الإخوان الكثيرين بمن فيهم أعضاؤها فى بعض الأحيان، من خلال مجموعة متنوعة من البيانات والمقترحات بشأن الشريعة الإسلامية. ولعل السبب فى موقف الجماعة المربك أمرين: الأول أنها نظاماً سياسياً يتوافق على نحو تام وصادق مع المعايير الإسلامية، مهما يكن تعريفه فضفاضاً.. ذا معناه ضرورة أن تنعكس القيم الإسلامية المهمة فى التشريع، وأنه على الدولة أن تسهل وليس تصعب رغبة المسلمين فى أن يعيشوا حياة تتوافق مع القيود الإسلامية، وأن يتم التشاور مع من يتوفرون على المعرفة الدينية والتدريب، ويسمح لهم بالتحدث على أساس تعليمهم وخبرتهم، لا أن يُتوقَّع منهم أن يكيِّفوا تفسيراتهم كى تتلاءم مع المصالح السياسية لكبار المسئولين. أما السبب الثانى هو تشديد الإخوان المسلمين على ضرورة أن يتم التغيير من القاعدة، وعلى حاجة جميع المسلمين للعمل على فهم دينهم وتحمل مسئولية تعليم أنفسهم. فوضع السلطة السياسية العليا فى ماى تعلّق بجميع المسائل الدينية فى أيدى مجموعة صغيرة من العلماء، يوحى بالنموذج الإيرانى بعد العام 1979، وهو النموذج الذى رفضته جماعة الإخوان المسلمين على الدوام لأنه يتعارض مع الإسلام السنّى ومع نهج الحركة نفسها.
واعتبر براون أن موقف الإخوان الحالى يعبّر بشكل أدق عن الدافع الثانى المتمثّل فى التركيز على أسلمة المجتمع من خلال العمل التدرّجى بدلاً من إحداث تغيير تشريعى مفاجئ. لكن مع ذلك، من الواضح أن قادة الحركة لم يتخلوا عن فكرة إعطاء دور ما وإن كان غير رسمى، ويقوم على الإقناع والتشاور بدلاً من فرضه من سلطة مختصة، لعلماء الدين فى العملية التشريعية.
وفى نهاية التقرير قال براون، إنه ليس هناك الكثير فى هذه المناقشات مايهدد الأمن الغربى، لكن ربما يكون لها مضاعفات مهمة لها على حقوق الإنسان والقيم الأخرى التى تهتم بها الجهات الفاعلة الغربية.
"كارنيجى" ترصد دور الشريعة الإسلامية فى النظام السياسى المصرى.. والمؤسسة تحذر من مرونة المفاهيم والمواقف الأساسية.. وتؤكد: الإخوان يريدون أسلمة المجتمع تدريجيا بدلا من إحداث تغيير تشريعى مفاجئ
الأربعاء، 16 مايو 2012 03:47 م