يلقى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى مقال له اليوم، السبت، الضوء على بدايات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل قائلا: إن الحركة الصهيونية كانت تطلب الدعم المالى والسياسى من يهود البلاد العربية، ولم تكن تريد هجرتهم إلى الأراضى الفلسطينية؛ لأنها كانت تطمح إلى بناء دولة يهودية ذات طابع غربى.
ويخص عباس يهود العراق الذين أجبروا على ترك بلادهم قائلا، إنهم تركوا العراق كيهود، وعاشوا فى "إسرائيل" كعراقيين، ويستشهد على ما خلص إليه بمقابلات صحفية أجرتها وسائل إعلام مع شعراء وقادة إسرائيليين ومؤلفى كتب عاشوا تلك الفترة من خلال حديثهم عن تجاربهم الشخصية.
ويستهل عباس فى مقاله المطول بالحديث عن قصة استضافة الإذاعة الإسرائيلية عام 1979 للشاعر اليهودى من أصل عراقى أبراهام عوبديا، التى يروى لها قصته مع كتابة الشعر، بعد أن تعرف على مدرس فلسطينى كان يعمل فى العراق قبل عام 1948.
ويقتبس عباس فى مقاله الذى حصلت رويترز على نسخة منه عن عوبديا قوله للإذاعة " كنت طالبا فى الإعدادية فى البصرة، ولاحظ أستاذى أننى أتمتع بملكة شعرية، وكان هذا الأستاذ مسيحيا من فلسطين، وهو أحد أعضاء البعثة التعليمية التى كانت ترسلها الهيئة العربية العليا إلى بعض البلاد العربية".
ويضيف "لقد نصحنى أستاذى المسيحى حنا" حتى أتمكن من اللغة العربية أن أحفظ القرآن، وحفظته فعلا، وبدأت الشعر إلى أن أصدرت فى بغداد أول ديوان فى عام 1948، وأرسلت نسخة إهداء إلى أستاذى فى القدس، اعترافاً منى بفضله على، ولسوء الحظ، فإن النسخة لم تصله؛ لأن الحرب كانت اندلعت، وهاجر أستاذى إلى الأردن، فى نفس الوقت الذى هاجرت أنا فيه من العراق إلى فلسطين، بحجة جمع شمل العائلات اليهودية".
ويرى عباس أن هذا الحديث يبين "أن الوفاق والوئام الذى كان يعيش الناس فى ظلاله فى البلاد العربية على اختلاف أديانهم وطوائفهم، وصل إلى حد أن أستاذا مسيحيا ينصح طالبا يهوديا أن يحفظ القرآن الكريم دون أن يشعر أى منهما بأى حرج".
ويضيف أنه يبين أيضا "نبرة المرارة التى تحدث فيها الشاعر الإسرائيلى عن الوضع الذى وصل إليه أستاذه عندما رحل من القدس بسبب الحرب، وما وصل إليه هو نفسه عندما أجبر على الرحيل من العراق موطنه وموطن آبائه وأجداده إلى فلسطين تحت حجة جمع العائلات. "ويستشهد عباس بحديث الشاعر اليهودى من أصل عراقى لنفى الرواية الإسرائيلية حول دوافع هجرة اليهود إلى فلسطين قبل وبعد عام 1948.
ويقول عباس فى مقاله "إن تعبيره (عوبديا) هذا ينفى بشكل قاطع أى دافع صهيونى أو عقائدى وراء هجرته إلى فلسطين، بل إن هجرته إليها كانت قهرية وقسرية، استهدفت اقتلاعه من جذوره رغم أنفه، ذلك هو حال كل اليهود الذين نقلوا من العراق إلى فلسطين، نتيجة تواطؤ ثلاثى صهيونى بريطانى عراقى".
ويضيف "ولم يعد خافيا الدور الذى لعبه ديفيد بن جوريون عندما أرسل مبعوثيه إلى هناك لإلقاء الرعب فى قلوب اليهود، فأمعنوا بهم قتلا وإرهابا وتنكيلا، ثم ترك للإعلام دور إشاعة أن العرب المتطرفين كانوا وراء هذه الأفعال البشعة".
ويذكر عباس بدور بعض القيادات الإسرائيلية فى هجرة اليهود إلى فلسطين بالقول "ما زالت بعض جماهير اليهود تذكر دور الوزير فى وزارة الليكود مردخاى بن فورات وشلومو هليل، وزير الشرطة فى حكومة المعراخ، اللذين قادا التنظيم السرى الصهيونى، ونظما بنفسيهما سلسلة عمليات إلقاء القنابل على البيوت والمقاهى والمتاجر والكنس اليهودية".
ويضيف "وما زالت جماهير اليهود تذكر الدعوى التى أقامها أحد أفراد هذه العصابات الذى فقد ساقه فى إحدى هذه العمليات ضد ديفيد بن جوريون، يطالبه بالعطل والضرر، بسبب تكليفه شخصيا بهذه العملية، وقد أصبح مصابا بعاهة مستديمة".
ولم يتضح السبب وراء كتابة الرئيس الفلسطينى لهذا المقال الذى يرى فيه "لم تكن الحركة الصهيونية تريد هجرة يهود البلاد العربية إلى فلسطين؛ لأنها كانت تطمح أن تبنى دولة يهودية اشكنازية ذات طابع غربى أو أوروبى، إلا أنها كانت تطالبهم فقط بالدعم السياسى المالى والإعلامى".
وأضاف "ومن هنا كان شعار الحركة الصهيونية لا نريد ذهب أمريكا فقط، وإنما نريد ذهب المغرب والعراق لنبنى دولة "صهيون". إلا أن الأمر اختلف بعد قيام الدولة، واحتلال قوات الجيش الإسرائيلى لمساحات شاسعة، أكثر مما أقره قرار التقسيم، والخيبة التى أصابت الصهيونية فى عدم وصول أعداد كبيرة من يهود أوروبا إلى إسرائيل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان أملهم أن هؤلاء اليهود لابد أن يرحلوا إليها نتيجة لما لاقوه من عذاب واضطهاد وقمع على أيدى النازيين والفاشيين".
وتطرق عباس فى مقاله إلى ما كان يتمتع به اليهود من حقوق فى الدول العربية بالقول "ولذلك كان لا بد مما ليس منه بد فاتجهت الحركة الصهيونية إلى الجاليات اليهودية فى العراق واليمن وشمال أفريقيا ومصر وسوريا تحثها على الهجرة".
وأضاف "وبما أن هذه الجاليات لم يكن لديها الدافع لذلك، ولم يكن هناك سبب يحثها على ذلك، إذ كانت جميع هذه الجاليات تنعم بمستوى معيشة لائق، وبحقوق مدنية وسياسية لم يحلم بها اليهود فى أوروبا على مدى قرون طويلة، ففى العراق مثلا وبعد إعلان دستور عام 1908 انتخب اليهودى العراقى ساسون حزقيال عضوا فى "مجلس المبعوثان"، وتجدد انتخابه فى دورات المجلس جميعها حتى قيام الحرب العالمية الأولى".
وتابع "كما عين أول وزير للمالية سنة 1921، واستمر يشغل هذا المنصب عدة دورات متتالية، بل إن قانون المجلس التأسيسى العراقى الصادر عام 1922، قد نص فى الفقرة الثانية من مادته الثالثة على أن يكون من بين أعضائه يهوديان من يهود بغداد وواحد من كل من الموصل والبصرة وكركوك، ونصت المادة التاسعة من قانون انتخاب النواب رقم أحد عشر لعام 1946، على أن يمثل اليهود ثلاثة نواب فى قضاء مركز بغداد ونائبان فى قضاء مركز لواء البصرة، ونائب فى لواء الموصل إلى جانب من يمثلهم فى مجلس الأعيان".
وأوضح عباس أن هذه الأسباب جعلت "من الصعب بل من المستحيل إقناع هذه الجالية بضرورة الرحيل فالتجأت الحركة الصهيونية إلى العنف والتآمر مع بعض السلطات المحلية والقوى الأجنبية، التى كانت فى ذلك الوقت تتحكم بمقاليد البلاد، وكانت صاحبة مصلحة سياسية فى تهجير هذه الجاليات لبناء الدولة اليهودية بإمدادها بالقوى البشرية اللازمة.
وتابع "يضاف إلى ذلك كله أن تهجير عرب فلسطين من بلادهم أدى إلى فراغ هائل، وحاجة ماسة إلى قوى بشرية، تقوم بالأعمال التى يأنف يهود أوروبا ذوو الياقات البيضاء أن يقوموا بها".
وينقل الرئيس الفلسطينى عما سماه "اعتراف" ديفيد بن جوريون لصحيفة "كمفر" الناطقة باليديشية والصادرة فى نيويورك بتاريخ 11/ 7/1952 قوله "إننى لا أخجل من الاعتراف بأننى لو كنت أملك ليس فقط الإرادة بل القوة أيضا، لانتقيت مجموعة من الشباب الأقوياء والأذكياء والمتفانين والمخلصين لأفكارنا، والمشتعلين بالرغبة للمساهمة فى عودة اليهود إلى إسرائيل". مضيفا "ولأرسلتهم إلى البلدان التى بالغ فيها اليهود بالقناعة الآثمة، وستكون مهمة هؤلاء الشباب أن يتنكروا بصفة أناس غير يهود، ويرفعوا شعارات معاداة للسامية، فإننى أستطيع أن أضمن أنه من ناحية تدفق المهاجرين إلى إسرائيل من هذه البلدان، سوف تكون النتائج أكبر بعشرات آلاف المرات من النتائج التى يحققها آلاف المبعوثين الذين يبشرون بمواعظ عديمة الجدوى".
وقال عباس فى مقاله " لقد حاول بن جوريون أن يعبر عن التمنيات، ولكنه أخفى الأفعال، وهو فى الواقع قد نفذ ما تمنى عندما أرسل مبعوثيه للعراق والمغرب؛ ليقتلع اليهود من هناك بالقوة والقتل، حتى تمكن من جلب مئات الألوف من اليهود الذين عاشوا فى هذه البلاد قرونا طويلة".
واستشهد عباس بكتاب صدر عن دار النشر السفاردية عام 1972 فى القدس تحت عنوان (الخروج من العراق) لمؤلفه إسحق بار موشيه، مدير الإذاعة الإسرائيلية، فى الحديث عن أوضاع اليهود العراقيين.
وقال عباس إن الكتاب "وصف فيه حالة اليهود العراقيين عند وصولهم إلى إسرائيل، والمعاناة التى لاقوها، والتمزق النفسى والعائلى الذى عانوا منه، واللامبالاة التى جوبهوا بها، والاحتقار الذى كان سمة كل من استقبلهم هناك".
واقتبس عن مؤلفه "كنت أتجول بين القادمين كلما سنحت لى الفرصة وأبحث عن معارفى وأهلى وأصدقائى. لقد تحول الجميع إلى أعزاء قوم ذلوا، واستبيحوا مرتين، مرة بيد حكومة العراق، ومرة بيد حكومة إسرائيل التى لم تدرك خطورة ما قامت به تجاه طائفة يهودية من أعرق وأعظم الطوائف بالعالم".
وأضاف "لقد تعرضنا فى إسرائيل لحرب حضارية سافرة كان الجهل يخيم على عقل كل من قابلناه. كان الجهل بنا وبماهيتنا هو الإهانة الكبرى التى شعرنا بها، ونحن نتجول كأشباح، فنرصد الأعمال، ونبحث عن أمكنة سكن ملائمة، أو نقضى أوقاتنا فى معسكرات الاستقبال، أو فيما يسمى بالمعابر التى أخذنا نسميها "المقابر"، وظهرت للجميع مخاطر من نوع لم يحلموا به، ولم يفكروا بإمكانية وجوده أصلا".
وواصل عباس اقتباسه عن المؤلف "نتذكر بحزن أن حكام العراق آنذاك كانوا يصفوننا بأننا يهود، وقد تركنا العراق كيهود، ووصلنا إسرائيل كعراقيين. المنظر مأساوى ومضحك فى الوقت نفسه، فقد ساعدنا حكام العراق على تثبيت هويتنا، وها هم اليوم أبناء ديننا وجلدتنا يساعدوننا مرة أخرى على تأكيد وتثبيت عراقيتنا. كان الشعور مؤلما ومثيراً للحزن فى آن معا. "واختتم عباس مقاله بالقول "بعد نصف قرن هل تغير شعور اليهود العراقيين، وهل تغيرت أوضاعهم، وهل تغيرت النظرة إليهم؟ لا نعتقد".
مقال للرئيس الفلسطينى يتحدث عن بدايات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل
السبت، 07 أبريل 2012 05:31 م
الرئيس الفلسطينى محمود عباس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الطحاوى
عباس
عدد الردود 0
بواسطة:
drdoora
جايبه جاز خالص مع عباس .......
جايبه جاز خالص مع عباس .......