بعد أن لاح فى الأفق تحسن العلاقات بين دولتى الجنوب والشمال السودانى مع التزام الجانبين بتوقيع اتفاق بشأن الجنسية وتحديد الحدود المشتركة، نشبت مؤخراً الاشتباكات العنيفة بينهما على المناطق الحدودية الغنية بالنفط وبددت الآمال فى حل سريع للأزمة بين الجانبين وأثارت المخاوف الدولية من نشوب حرب أهلية بين البلدين على نطاق واسع، فلم تكن منطقة "هجليج" النفطية سوى البداية التى تخفى الأسرار الحقيقية وراء السعى الدولى لتطبيق الانفصال بين الدولتين.
لقد خططت الدول الاستعمارية منذ زمن بعيد لانفصال الجنوب عن الشمال السودانى وخلق الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وتطبيق سياسة "فرق تسد" حتى تنفرد الدول ذات الأطماع الاستعمارية بالجنوب السودانى وبثرواته وجعله نقطة ارتكاز لمحاصرة دول الشمال فى القارة الأفريقية، وعلى رأسها مصر وحلقة وصل مع الدول الأفريقية وعلى الأخص ممثلى حوض النيل لتهديد حصص مصر والسودان من المياه العذبة وإغراء الدول الأفريقية ودولة جنوب السودان ببناء المشروعات الإستراتيجية الضخمة وتقديم المعونات والمساعدات المالية حتى تدين دولة جنوب السودان بالولاء للدول الاستعمارية، وعلى رأسها إسرائيل التى تسعى بكل قوة لإقامة مشروعات ضخمة فى دولة جنوب السودان الوليدة وفتح أسواق لتسويق منتجاتها وعلى رأسها السلاح، فالأهداف والمصالح المتعددة دفعت الدول الاستعمارية إلى ممارسة كافة أنواع الضغط السياسى والإعلامى للتعجيل بانفصال الجنوب السودانى عن الدولة الأم.
على أبناء السودان الشقيق التعلم من دروس التاريخ فكلما أرادت الدول الاستعمارية السيطرة على دولة ما سعت إلى إشعال الفتن بين طوائفها وإحياء فكرة الانفصال، بل أبعد من ذلك بعد أن يتحقق الانفصال محاولة إشعال نار الحرب بينهما بعد أن كانا بالأمس جسداً واحداً مستغلين فى ذلك كل أدوات السياسة القذرة، وليس أمر وحدة جمهورية ألمانيا ببعيد وتحطيم جدار برلين فى 9نوفمبر عام 1989 بعد 28 عاماً من بنائه واتحدت الألمانيتان فى عام 1990 ورغم تكبد المواطن الألمانى الغربى من ضرائب باهظة لإعادة إعمار ألمانيا الشرقية التى ظلت لسنوات طويلة تحت سيطرة الحكم الشيوعى، ولكن المواطن الألمانى لديه من الثقافة ما يؤهله إلى إدراك قيمة الوحدة ففى الاتحاد قوة وفى الانفصال فرقة ووهن.
على دولة الجنوب السودانى الوليدة أن تدرك أن النهضة لا تتحقق فقط بتوفر الثروات ولكن بالتعاون المثمر مع الدول المحيطة بها، وعلى رأسها دولة الشمال السودانى، وأن الاستقرار السياسى والعسكرى يساهمان فى تدعيم النهضة والتقدم مما يتيح للدولة استغلال ثرواتها المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة