نظرت إلى صديقى الذى جلس أمامى على المقهى وأمامه كوب الشاى الذى لم تمتد يده إليه بعد، ووجدته ساهما واجما مثل عادته التى لم يغيرها منذ أن حكم مبارك مصر وبعد مرور أكثر من سنة على ثورة 25 يناير، وفى الحقيقة كنت مثله تماما ساهما وواجما أيضا على غير عادتى المتفائلة دوما. أخذت زمام المبادرة بالكلام وقلت له: ما رأيك فيما حدث؟ لم يرد على وكأنى أكلم نفسى، زدت كلمتين على السؤال وقلت له إذا سمحت لى أنا أسالك عما حدث بخصوص السماح بسفر الامريكيين المتهمين فى القضية إياها بتاعة التمويل؟ نظر إلى ولم يعرنى أى التفاتة، وأمسك بكوب الشاى وكنت أظنه سيوقف يده وبها كوب الشاى، كما يفعل معى فى كل مرة، إلا أنه خيب ظنى ورشف رشفة من كوبه ثم وضع الكوب على الترابيزة، وبدأ ينظر إلى ثم هم بالكلام، ولكنه توقف كأن شيئا مسيطرا عليه أو قوة خفية منعته من الكلام، شجعته بقولى هناك كلام كتير ولغط فى الموضوع، وأنا لا أعرف كيف حدث ما حدث، وأريد أحدا أثق فيه يحلل هذه القضية التى حدثت أمام أكثر من 85 مليون مصرى أصابته الكبرياء والعظمة وانتفخت عروق العزة والكرامة فيه للوقوف ضد السيدة أمريكا العظمى، وأنا كنت الشخص رقم 85 مليون الذى أحس بالعزة وكنت أسير فخرا وتيها وأكاد ألامس الثريا! والآن ألمس تراب القهوة بالعافية، ابتسم ابتسامته المريحة المبدئية، قلت فى نفسى يا فرج الله أخيرا سينطق صديقى، اعتدل فى جلسته وكأنه سيلقى على خطبة عصماء، ثم قال لى: يا صديقى العزيز كل ما حدث كان متوقعا ومن بداية الهيصة التى صاحبت قضيتك التى كتبت أنت فيها أكثر من مقال تشيد من خلالها بالموقف المصرى، المشكلة أن إخراجها كان سيئا جدا وكانت محتاجة مخرجا مسرحيا عبقريا مثل السيد راضى الله يرحمه أو الفنان محمد صبحى ربنا يديله طول العمر، حتى تخرج على الناس المصريين الغلابة بشكل لا يهينهم كما أخرجوها فى واشنطن بشكل مسرحى أكثر حبكة انطلت على الأمريكيين الغلابة، فالأمريكان أقصد الشعب الأمريكى غلبان زينا كده، لكن عندهم ممثلون محترفون فالتمثيل المتقن مهنتهم الأساسية التى بياكلوا بيها عيش هناك فى أمريكا على قفا الأمريكيين وعلى قفا الحكام العرب وقفا الشعوب العربية، فخرج المتهمون الأمريكيون بطائرة عسكرية معززين مكرمين وستحسب الواقعة فى أمريكا نصرا مؤزرا للسيد الرئيس باراك بن حسين أوباما وفى ميزانه وكفته الانتخابية، وستحسب أيضا لكل أركان حكمه الذين زاروا القاهرة والتقوا المشير طنطاوى والكتاتنى والجنزورى والإخوان المسلمين والسلفيين، وتحسب لزميلتهم العزيزة السفيرة الأمريكية. قلت له ولكن ماذا حدث فى لقاء الأمريكيين الزائرين بالمسئولين المصريين المزورين أى "المضيفين" حتى لا يظن بى أحد شرا؟ وجه نظره إلى وحملق فى وجهى، بعد أن مد يده لكوب الشاى فأحس أنه بارد زيادة عن اللازم، فقال لا أستطيع أن أستمر فى التحليل اطلب لى كوبا من الشاى وسيجارة كيلوباترا، قلت له الشاى ما فيش عندى مشكلة لكن السيجارة أنا ما بدخنش ولا أريد أن أرتكب ذنبا فأشترى لك سجائر وأنت تعرف أنها مكروهة جدا فى هذه الأيام!! تكدر وجهه وسكت، فخفت ألا يواصل الكلام.. ناديت على الجرسون وقلت له هات واحد شاى وسيجارة فرط، نظر إلى الجرسون نظرة حادة ولكنى لم أعره انتباها، ولكنه فتح علبته وأعطانى السيجارة قلت له أعطيها لصديقى، أخذها الصديق وأشعلها، ثم أخذ نفسا عميقا نفثه فى وجهى، ثم بدأ فى إجابته على سؤالى فقال: إذا أردت أن تعرف حقيقة ما حدث خلال الاجتماعات الكثيرة والزيارات المكوكية للأمريكان للمشير طنطاوى وأركان النظام فابحث عن "نظرية إيد الزمار".. تعجبت وظهر على وجهى ثلاث علامات تعجب!!! لاحظها صديقى فرد على بتؤدة وتأن بقوله: نعم هى "نظرية إيد الزمار" بعينها مثل "نظرية المؤامرة" و"نظرية الفوضى الخلاقة"، قلت له زدنى أيها الصديق المحلل، قال: يا سيدى ما حدث من حوارات ومناقشات بين الصديقين اللدودين الأمريكى والمصرى جاءت منبثقة من المثل المصرى العبقرى الذى قيل فى فترة عبقرية من الزمان عندما شاهد الناس زمارا يموت ووجدوا عجبا، وجدوا أن يده تتحرك وتلعب كأنه قابض على مزماره، فقالوا سريعا وفى نفس واحد "يموت الزمار وإيده بتلعب". فالصديق الأمريكى كان خائفا من هذه النظرية وجاء بسرعة لكى يجهضها فى مهدها، وعندما تواجها وجها لوجه هو وصديقه المصرى، بدأ كلامه للصديق المصرى موجها إليه عددا من عبارات "المعايرة" والمن والإحسان بقوله: "يا صديقى العزيز ما هذا الذى فعلتموه برجالتنا عندكم ألم نتفق ونتعهد لكم بأن نعطيكم معونة بعد توقيعكم على معاهدة السلام مع بنتنا إسرائيل، وإحنا من جانبنا يا مستر صديق مصرى لم نقطعها عنكم من هذا التاريخ، صحيح العنترية بتصيب بعض الأعضاء فى الكونجرس وبعضهم الآخر فى مجلس الشيوخ الأمريكي، ولكن لا تأخد فى بالك همه شوية شيوخ لا راحو ولا جم وكلامهم اعتبروه زى كلام "العناتر" عندكم، فأنت تعلم يا صديقى أن العالم كله فيه عناتر وخاصة فى عالمكم العربى، فكيف تؤاخذونا بما فعل أعضاء الكونجرس والشيوخ منا وتتقمصوا منهم، ولا تزعلوا من أصحاب الحناجر فى مصر التى تصرخ بالنهار فى مجلس الشعب وفى الفضائيات وفى الصحف وعلى منابر المساجد وقريبا فى مجلس الشورى، وتصرخ فى الليل وهى نائمة ومش متغطية لقطع علاقتنا المتينة وهى علاقة لن تنفصم عراها أبدا بس يعنى إيه "عراها" يا مستر مصرى، لأنى سمعتها من واحد مترجم مصرى عندكم!! عديها يا مستر.. المهم أنا بأقول إن علاقتنا قوية جدا ولا يمكن لا الأعضاء فى مجلس الشيوخ عندنا ولا المشايخ عندكم أن يقوموا بفصم عرى هذه العلاقة، وأتمنى عليكم يا مستر مصرى أن تخففوا اللهجة على بنتنا إسرائيل، لأن الباحثين المستشارين عندنا وجدوا أن نبرة الخطاب عندكم زادت حبتين ضد سياستنا وضد إسرائيل مثلما كان يحدث أيام خالد الذكر الرئيس جمال عبد الناصر، وقدموا لنا استشارتهم وللرئيس المؤمن باراك بن حسين أوباما ومجلسه العالى فى هذا الشأن، مفادها "أن المصريين عندهم مثل يقول "يموت الزمار وإيده بتلعب"، وإحنا كمستشارين مسئولين مش مسئولين عما سيحدث فى المستقبل وخايفين يرجع المصريون لعادتهم القديمة مرة أخرى ويعادوا الصديقين الحميمين لهم أمريكا وإسرائيل، وقد ظهرت بوادرها فى عملية التمويل الأجنبى"، ولذا أرجو منكم يا مستر مصرى تسمح لنا بأن نأخذ الأمريكيين المتهمين وبهدوء وبدون شوشرة حتى لا يظن المصريون الذين كانوا سيطالون الثريا ويسيرون فخرا وتيها أن يؤثروا على علاقتنا ويهدأوا قليلا، ويعلموا علم اليقين أن علاقتنا مستمرة وسمن على عسل مثلما كانت عليه أيام الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك الله يفك حبسه، ويرده ردا سليما إلى زوجته ماما سوزان، ودمتم سالمين.
بعد انتهى صديقى من تحليله وقبل أن أسأله سؤالا آخر رن هاتفى النقال وعلى الجانب الآخر تحدث إلى صديق عزيز معد فى أحد البرامج بفضائية مشهورة وقال لى بصوت عال صارخا فى أذنى أرجوك الحقنى أنا فى ورطة، قلت له اهدأ شوية، قال أهدا إزاى وأنا فى مصيبة، قلت له يا أخى أنا ودانى وجعتنى من صراخك خد نفس كده واستهدا بالله وقلى إيه الى حصل، قال لى أرجوك أنا فى مصيبة، قلت له يا سيدى والله عرفنا إنك فى مصيبة وورطة، بس ما عرفتش إيه الورطة بتاعتك والمصيبة اللى حطت على نافوخك، تنفس بهدوء ثم قال لى المحلل السياسى اللى كان مواعدنا ييجى البرنامج بعد ساعتين اتصلت بيه ما ردش على وعرفت إنه نام أثناء تحليله فى احد البرامج، قلت له إيه سبب نومه قال لى أبدا كان بيحلل فى قضية التمويل الأجنبى واستعانت بيه ست فضائيات مرة واحدة، فضائية ورا فضائية وبرنامج ورا برنامج، فلم يستطع إكمال تحليله فى آخر فضائية ونام عندهم، فأرجوك البس بدلتك بسرعة وتعال انقذنى من هذه الورطة، قلت له أنا ما أقدرش أنا مش محضر حاجة، قال لى يا أخى تعال قول كلمتين فى أمريكا والنظام المصرى المرتبك وكلمة واحدة فى إسرائيل وإحنا هنساعدك، نظرت إلى صديقى الجالس أمامى الذى كان يسمع جزءا من الحوار ويبتسم، خطرت لى فكرة سريعة وقلت لصديقى على الهاتف أنا هخدمك خدمة العمر، قال إلحقنى بيها بسرعة، قلت أنا جالس مع صديق محلل إنما إيه هو الذى سينقذك من هذا الموقف البايخ، تنفس الصعداء وقال لى أرسله بسرعة وأجرة التاكسى علينا، قلت له وأجرة الشاى والسجائر أرجوك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة