مجدى أحمد على

رحلة إلى تركيا

الأربعاء، 28 مارس 2012 10:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أغادر الوطن للمرة الأولى منذ الثورة المصرية لأرى مصر فى عيون العالم، وأرى عالما من عيون محدقة تتأمل التجربة محاولة القفز على أسوار الواقع المكرسة للإحباط والداعية إلى اليأس.. تمر الشهور ولا يبدو أننا ننظر تحت أرجلنا، ناهيك عن تأمل السياق الذى تنطلق به الفوضى كإعصار هائل يقتلع أساسات هذا الوطن المغدور فى نخبته وقياداته:

1 - فى تركيا أدرك الجميع، أن سير المركب هو الضمان الوحيد لعدم غرقها، وأن التطاحن حول الغلبة والمشاركة والسيطرة وتغليب ضيق الأفق والاستئثار بالرأى ونشوة الانتصار هو صراع لا نتيجة له إلا الفشل لكل الأطراف.. ترك أردوجان أفكاره عن الإسلام تحرك الجانب الأخلاقى فى عمله ولم يدعها تفرض آليات أتوماتيكية على أساليب حل المشكلات فى دولة حديثة تواجه مشاكل وتحديات يومية وتعقيدات لم تحدث أبداً فى مجتمعات سابقة، ولا يجوز القياس عليها.. فهم أردوجان قول رسوله الكريم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» فانطلق بحثاً عن حلول لمشاكل الناس الملحة من صحة وتعليم ومأوى لائق بحياة كرمها الله، ولم يشغل نفسه بقضايا فردية من ملبس ومظهر وثقافة يترك أمر حسمها للفرد الذى يعلم أنه سيحاسب على اختياراته.

2 - فى تركيا لا يحتكر حزب أو جماعة الرأى حول الإسلام أو حول قضايا التنمية.. الجميع يتفقون فى القضايا الجوهرية والوطنية.. يتجهون نحو الانضمام للاتحاد الأوروبى دون خوف وبثقة كاملة فى تجربتهم وفى حضارتهم، لا يكرهون الآخر ولا يحضون على كراهيته عجزاً وجهلاً.. بل يسعون إلى فهم تجربته والاستفادة القصوى منها، ينفتحون على العالم حيث دنيا المصالح ولغة المصالح ولا يجدون فى ذلك تعارضا مع أى «مبادئ» خاصة إذا كانت هذه المبادئ متعلقة بقضايا شكلية وفرعية، وهم فى ذلك يراجعون قناعاتهم القديمة، لأنه لا وجه للدوام إلا لوجه الله سبحانه، أما ما دون ذلك فنسبى ومتغير ويخضع للزمن ولقناعات البشر ومصالحهم.

3 - فى تركيا يحترم الجميع فكرة الاختلاف. لا تكفير ولا مغالبة.. تسير المحجبة بجوار لابسة المينى جيب «لم أر منتقبة واحدة».. الملتحى بجوار السائحة يعاملها بلطف المدرك لطبائع الاختلاف الثقافى الذى عصمه دينه وأخلاقه عن التحرش لمجرد التحديق ويمنعه الاكتفاء فى إبداء مظاهر الجوع أو المرض النفسى تجاه جسد المرأة الذى يبدو أنه حتى الآن ما يشغل الأعضاء الذين انتخبهم المصريون لحل المشاكل المزمنة، فإذا بهم لا يتحدثون إلا فى سفاسف الأمور، وإلا فى كيفية الطعن فى تدين المصريين عبر تاريخهم كله، وصولاً إلى تدين شكلى لا يعنيه إلا المظهر الكاذب جاءت به «حضارة» وهابية كارهة لحرية البشر ومنكرة لمسؤوليتهم عن وضع صياغات لقوانين حياتهم الآن وغداً.

4 - فى تركيا حضرت مهرجاناً للسينما لم أر فيه رقيباً، ولم أصادف معترضاً على حق الناس فى الإبداع، لم تغلق قناة، ولم يقبض على مخرج، ولم يقصف قلم. مظاهرات ضد الحزب الحاكم ومظاهرات معه.. الجميع يتعامل مع قواعد الديمقراطية التى أتت بهم ولا ينقلبون عليها فى اليوم التالى لقفزهم على كرسى الحاكم، يؤمنون فعلاً بالديمقراطية التى هى حق الناس فى التشريع لأنفسهم وصيانة مصالحهم.. ولا يلجئون إليها فقط لفشلهم فى استخدام السلاح ضد سياسة غاشمة.. ولا يجدون أى تناقض بين إيمانهم بالله الذى قدر كل شىء وبين قناعتهم بأنه سبحانه قد ترك لنا الحرية لممارسة الحياة بالشكل الذى يصون ويحفظ وجودنا دون وسيط فى أى فكرة أو جماعة تفرض ضيق أفقها على الجميع.. كنت هناك، وعدت لأجد الكابوس الذى أحاول الإفلات من قبضته.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة