"نحن حريصون على وحدة شعبنا ولا نريد شروخاً" صاحب التصريح ليس قياديا فى جماعة الإخوان المسلمين أو حزب النور السلفى، بل عامر العريضى المسئول فى حركة النهضة التونسية، وقاله لدى إعلانه صباح اليوم ـ الاثنين ـ إن الحركة قررت ألا يكون الإسلام المصدر الإساسى للتشريع فى الدستور الجديد الذى يُعد حاليا، وأنه سيتم الإبقاء على المادة الأولى من الدستور السابق التى تنص على أن تونس دولة حرة لغتها العربية والإسلام دينها، وعلل العريضى هذا الموقف بالرغبة فى وضع حد للجدل والخلاف الدائر بين المطالبين بالدولة المدنية والإسلامية.
هذا موقف وطنى مشرف بامتياز ويستحق الإشادة به، لأنه يبتغى المحافظة على تماسك المجتمع المنقسم والمفتت بين دعاة الدولة المدنية والدينية، قارن ذلك بالمهزلة الحادثة فى بلدنا، بعدما احتكرت جماعة الإخوان المسلمين الجزء الأكبر من تأسيسية الدستور، حيث أسفرت تمثيلية انتخاب أعضاء لجنة الدستور عن اختيار 70% منهم من المنتمين لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسى للإخوان وحزب النور المتحالف معه، والبقية من خارج مجلس الشعب، فهل هؤلاء أناس يحرصون على وحدة المجتمع المصرى ويعبدون الطريق السليم لبناء مستقبل أفضل له؟
كلا ومليون كلا، فنحن نشهد حالة مرضية مستعصية للاستئثار بكل شىء، وفرض نمط معين اختاره الإخوان وما علينا سوى بلع ألسنتا، ومصمصة شفاهنا وقبوله مجبرين، فهل استطلع مكتب الإرشاد آراء 88 مليون مصرى، وتوصل إلى أنهم بصموا بالعشرة له على تصوره للدستور ولنظام دولة الثورة، وهل وضع فى حسبانه أن قطاعات من مسلمى مصر يعارضون رؤيته للدولة، وأنه من الواجب الالتفات إلى أن جزءاً من الشعب المصرى يدينون بالمسيحية، ويجب احترامهم وعدم معاملتهم كتابع أو كطرف ضعيف عليه الاستسلام لما يقرره؟
يزيد على ما سلف، أن التيارات الإسلامية، وفى مقدمتها الإخوان يتعاملون مع الوطن وكأنه شقة حصلوا على صك شرائها من أهلها، ويحق لهم فعل ما شاءوا فيها، فهم الوكلاء الحصريون للتصرف فيها، وبالمناسبة فإن نتائج الانتخابات ليست تفويضا على بياض لهم، ولا تبرر احتكارهم للقرارات المصيرية المشكلة لمستقبل وطن ثار شعبه للخلاص من نظام احتكر السلطة والاقتصاد والفرص المتاحة على كل الأصعدة، ولا يعقل أن نقبل باستبداله بآخر نهم للاحتكار السياسى، ولا داع لتذكيرهم بمواقفهم من الثورة وهجومهم على الثوار لخروجهم على ولى الأمر، قبل أن يقفزوا فى العربة الأخيرة للثورة للاستفادة من ثمارها اليانعة. وليفسر لى أنصار الإخوان تصريحات قيادات الجماعة فى الأيام الماضية المحزنة، وأظهرت بجلاء رغبتها فى الهيمنة، والتحكم فى خيوط اللعبة السياسية من الألف إلى الباء، وأنهم يحمون مصر مما لا أدرى، والتغطية على تناقض أقوالهم بأفعالهم، فهم يتحدثون عن اضطرارهم للدفع بمرشح رئاسى، بسبب الظروف والتغيرات الحادثة، بعد أن أكدوا أنهم لن يخوضوا غمار السباق الرئاسى، منعا لاتهامهم بأنهم من الباحثين عن الحكم وسطوته، وها هى الأحداث تؤكد أنهم أحرص الناس على الانفراد به. ويسعون الآن لمواجهة مع المجلس العسكرى بعد أن كانوا حتى الأمس القريب لا يذكرونه بسوء وينسقون معه كل خطوة، ثم انقلبوا عليه، ليتبادلا التهديد والوعيد واستيعاب دروس الماضى غير المرغوب فى عودته. ياسادة إن مصر يلزمها رجال يقدرون الإخلاص والصدق فى القول والعمل، رجال يتركون عباءة انتماءاتهم قبل مغادرتهم منازلهم، ويبدو أن مصرنا الغالية لم تعثر عليهم بعد، فادعوا لها بالاهتداء إليهم قريبا قبل غرق المركب.