جلس صديقى على الكرسى المقابل لى، وجدته مهموما وعليه علامات الحزن، ولكن الأشد إيلاما لى أنه لم تمتد يده إلى كوب الشاى الموضوع أمامه من نصف ساعة حتى برد تماما، فهو معروف عنه عشقه للشاى، وتأقلمت معه على كل حالاته المتقلبة دائما من حزن إلى فرح إلى هم إلى ابتسامة أو قل شبه ابتسامة، ولكن إذا كانت الأمور شديدة التعقيد ومربكة ومحزنة فإن تعبيره الأشد هو ألا تمتد يده إلى كوب الشاى الذى أطلبه له حين أراه مقبلا على المقهى الذى نجلس عليه.
بادرته بالسؤال التقليدى وهو ما الذى أحزنك وجعلك مكتئبا كل هذا الاكتئاب؟ نظر إلى نظرة أعرف مغزاها ومدلولها ومعناها وفحواها وهو ألا ترى ما يحدث على الساحة العربية والمصرية من أحداث ملتهبة وساخنة، وكنا قد تحدثنا مرارا عن هذه الأحداث ولكنه لم يشتط فى اكتئابه على هذا النحو حتى مع قضية التمويل الأجنبى بشقيها الأول والثانى، فالشق الأول عندما تفاعلنا معها فى البداية وتسابقنا أنا وهو نحو إمساك "كيبورد" الكمبيوتر وهات يا مقالات عن استعادة الكرامة الوطنية المسلوبة من الممولين الأمريكيين والمتمولين المصريين، ثم الشق الثانى الذى بدأ مع السماح للأمريكيين بالسفر فأمسكنا بـ "الكيبورد" ولم نستطع كتابة حرف لفترة طالت قليلا، ولم يزد اكتئابه أيضا عن الحدود مع قضية فيلم "على واحدة ونص" التى تعرى بعضا من الصحفيين والإعلاميين كما تتعرى بطلته وتقوم بالرقص الشرقى.
تجرأت مرة ثانية وقلت له: إذا لم تخبرنى ماذا يحزنك وماذا جعلك هكذا مكتئبا سأترك الشاى ولن أشربه حتى يبرد؟ نظر إلى كوب الشاى الذى أمامى فلم يجد فيه إلا التفل.. فهم بالابتسام ولكنه أخفاها بسرعة؛ ورد على بقوله: قبل ثورة 25 يناير ونحن نحلم بديمقراطية تعطى كل واحد حقه فى التعبير وبشكل لا يجور على حرية الآخرين، وبعد أن قامت الثورة وأثبت المصريون جميعا فى ميدان التحرير وغيره من ميادين البلد صورة جميلة أمام جميع شعوب العالم ومسئوليه وحكامه وسياسييه بالالتزام بأخلاق الميدان، إلا أن الأمور انفلتت مرة واحدة وكأن المقصود منها تشويه هذه الصورة الجميلة بالتظاهرات الفئوية وقطع الطرق والسكة الحديد، وقيام الطلبة فى الجامعات بمنع الأساتذة من دخول الكليات ثم منع المحاضرين من الخارج من استكمالها بشكل عنيف وغير مبرر، رأينا ذلك فى مؤتمر للشيخ محمد حسان بكلية الحقوق، ومن قبل رأيناها فى مؤتمر الدكتور محمد سليم العوا المرشح لرئاسة الجمهورية الذى عقد فى بريطانيا من بعض مدعى الديمقراطية الذين خربوا فعاليات المؤتمر وقعدوا على تلها، وفى مؤتمرات للسيد عمرو موسى وغيره، كأن ديمقراطيتى وحريتى لا أمارسها إلا على أنقاض ديمقراطية وحرية الآخرين. وأضاف: ما زلت متذكرا حدثا لم يفارق مخيلتى حتى الآن منذ أكثر من 20 عاما كان ذلك فى مدينتنا، حيث كان أحد المرشحين لمجلس الشعب آنذاك عقد مؤتمرا انتخابيا حاشدا وكانت علاقته ليست على ما يرام مع المرحوم كمال الشاذلى، وبعد بدء الاحتفال بربع ساعة إلا وعدد من الشباب لا يعرف ميولهم يقفزون على المنصة ويقومون بتخريب المؤتمر، وعجز المنظمون والشرطة وقتها من فعل شيء ضد هؤلاء الشباب، هذا ما حدث منذ أكثر من 20 سنة وما يزال يحدث بحذافيره فى مصر الآن وبعد الثورة.. وكنت أتمنى أن نطبق الديمقراطية بالشكل المناسب لا أن نطبقها بشكل جديد لم يعرف حتى فى بلادها العريقة، ثم سكت فجأة.. طلبت له كوبا آخر من الشاى وصمتت أنا أيضا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة