أصدرت عدة منظمات حقوقية بيانا مجمعا، اليوم الأحد، حول لقاء جمع العديد من النشطاء الحقوقيين باجتماع مع المجلس الاستشارى جاء فيه ناقش المجلس الاستشارى أمس مع عدد من ممثلى المنظمات الحقوقية والتنموية وضعية العمل الأهلى والقانون المنظم له ومستقبل المجتمع المدنى فى ظل الهجمة الشرسة التى تقودها مؤسسات الدولة السياسية والإعلامية ضده.
وقد ضم الاجتماع عددًا من النشطاء الحقوقيين وممثلى الجمعيات هم: أحمد راغب مدير مركز هشام مبارك للقانون، بهى الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، جاسر عبد الرازق نائب مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مجدى عبد الحميد رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائى ومنى عزت منسق حملة حرية التنظيم بمؤسسة المرأة الجديدة، والذين قدموا للمجلس ملف أوراق تضم مشروع قانون لتنظيم العمل الأهلى مقترح من عدد من المنظمات الحقوقية والتنموية، بالإضافة إلى قانون الجمعيات الأهلية فى تونس، ومشروع قانون لتنظيم العمل الأهلى مقدم من المجلس الانتقالى فى ليبيا.
والسبب فى تقديم هذه الأوراق وفقًا لـ بهى الدين حسن هو لفت انتباه المجلس إلى التجارب المشابهة فى تنظيم العمل الأهلى بعد الثورة، والتأكيد على أن الدول حين تنتقل لوضع متقدم أول ما تفكر فيه هو تحرير العمل الأهلى وفقًا للمعايير الدولية والمتعارف عليها، والتى بناءً عليها يتم تقييم الدول، ذلك التقييم الذى حدث لمصر قبل الثورة بثلاثة أشهر فى الاستعراض الدورى الشامل أمام الأمم المتحدة وأسفر عن تأكيد دولى واضح ببُعد القانون المصرى لتنظيم العمل الأهلى عن كافة المعايير الدولية.
وفى هذا الصدد قال أحمد راغب، أننا ما زلنا نحكم بنظام عدالة مبارك، وأنه يجب الدفع من أجل إقرار قانون يحرر العمل الأهلى بما يتناسب مع الواقع المصرى وأوضاعه بعد الثورة، ويُخلِص البلاد من الإرث الاستبدادى، وهو ما علق عليه صلاح فضل عضو المجلس الاستشارى قائلاً: "أتمنى أن نتوصل لقانون مصرى أفضل من القانون التونسى والليبى يقتدى به العالم كله، يتناسب مع الثورة المصرية التى يحتذى بها".
فى البداية أشار بهى الدين حسن، إلى بعض المفاهيم المغلوطة حول دور المجتمع المدنى فى مصر، ومنها الخلط بين العمل السياسى والعمل الحقوقى التنموى، إذ أن الاستشهاد المضلل بتمويل الحملات الانتخابية فى الولايات المتحدة كمثال على التمويل الحقوقى فيه لبس شديد الخطورة، إذ أن دور منظمات المجتمع المدنى التنموية والحقوقية فى كل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة لا يتصل بتمويل الحملات الانتخابية أو أى عمل سياسى يتصل بالوصول للسلطة. من ضمن الالتباسات أيضًا، فكرة الربط الإعلامى والسياسى بين عمل منظمات المجتمع المدنى وتهديد الأمن القومى، مؤكدًا أن الدفاع عن حقوق الإنسان هو فى جوهره حفاظ على الأمن القومى، فكم من دول تعرضت لزعزعة أمنها القومى بسبب انتهاكها لحقوق مواطنيها (سوريا، ليبيا، العراق على سبيل المثال)، ومن ثَم فصون كرامة المواطن هو حفاظ على الأمن القومى للوطن. كما أبدى "بهى" تخوفه من تحول المجتمع المدنى إلى "جماعة محظورة" جديدة تواجه صنوف عديدة من التضييق الأمنى والسياسى والإعلامى.
من جانبه أشار مجدى عبد الحميد، إلى أن قانون تنظيم العمل الأهلى الحالى هو جزء من منظومة فساد واستبداد أرسى نظام مبارك دعائمها، علاوة على مجموعة من الإجراءات التعسفية غير القانونية، ومن ثم فإرساء قانون فى بيئة مغايرة من المفترض أن تتسم بالحرية والديمقراطية ينبغى أن يؤسس على مجموعة من المعايير الرئيسية هى "الحرية، الشفافية، الرقابة"، فالأصل فى القانون هو الحرية "الإباحة" والاستثناء هو التقييد، ومن ثم فالإخطار هو الأصل وليس التصريح، والشفافية تكون الضمانة، والرقابة اللاحقة والقضاء هما الحكم. واعتبر عبد الحميد أن هذه المعايير تحل كثير من معضلات القانون الحالى وسلبياته، إذ أن سحب سلطات الجهات الإدارية من حل وفصل وتصريح يحول دون تدخل السلطات الأمنية فى هذه الإجراءات، ويمنح الحق كاملاً للقضاء فى الفصل فى أى مخالفة أو خلاف بين المنظمات والحكومة، كما أن الرقابة اللاحقة المفتوحة لكل أجهزة الدولة على المنظمات تضمن حق الدولة فى التصدى لأى إخلال أو تجاوز قانونى مع التأكيد على كونها رقابة لاحقة للنشاط وليست سابقة تحاسب على النوايا واحتمالات التمويل أو الإنفاق غير المشروع.
أكد أحمد راغب على دور منظمات المجتمع المدنى فى الفترة القادمة، معتبرًا ملف منظمات المجتمع المدنى هو أحد دعامات "مصر المستقبل" الذى يجب تقويته ودعمه، مشيرًا إلى أن إيمان نشطاء المجتمع المدنى وتصميمهم على استكمال هذا الدور بغض النظر عن إرادة الحكام أو القرارات السياسية، معتبرا أن سيادة القانون هى الضمانة الحقيقة لدعم هذا الدور، فلابد أن يخضع الجميع لسيادة القانون وفكرة الدولة الراعية التى تحتوى جميع مواطنيها، وليست الدولة القمعية التى تقمع وتنتهك حقوق مواطنيها.
من جانبها أكدت منى عزت على أهمية الحوار المجتمعى لبلوغ هذا الهدف، مؤكدة أن فى كل الدول الديمقراطية يعتبر المجتمع المدنى شريكا حقيقيا وضلعا رئيسيا يستند إليه الوطن، مؤكدةً أن ثمة إحساس عام بمحاولة إقصاء المجتمع المدنى وشل حركته فى المجتمع من خلال تعقيدات إدارية وتصريحات أمنية وسلطات موسعة للجهات الإدارية وتضييق شديد على عمليات التمويل.
عبر محمد زارع عن استيائه الشديد من اختزال نضال المجتمع المدنى على مدار 27 سنة فى قضية التمويل، فقد كان أجدر بالحكومة المصرية عقب الثورة أن تشكر هذه الجمعيات والمنظمات على دورها فى فضح انتهاكات النظام السابق ومناصرة حقوق المواطن البسيط، وتفتح الباب لتعاظم هذا الدور بعد الثورة، ليتحول الدور من رصد الانتهاكات إلى الحيلولة دون وقوعها وهو الهدف الحقيقى لمنظمات المجتمع المدنى.
وحول قضية التمويل الأجنبى وتصريحات آن باترسون التى فجرت الحملة على المنظمات، أكد "بهى" أن القضية فى جوهرها أزمة بين دولتين كانت يجب أن تحل بينهما، الأمر الذى لا يستوجب ذبح المجتمع المدنى وتاريخه، بل يجب أن يظل المجتمع المدنى بعيدًا عن هذا الخلاف السياسى، وعلق منصور حسن رئيس المجلس الاستشارى قائلا: "لا شك أن هناك عدم شجاعة فى المواجهة، دفع ثمنها المجتمع المدنى المصرى".
أكد ممثلو المنظمات فى نهاية الاجتماع على ضرورة سن قانون ينظم العمل الأهلى يقوم على فكرة الإنشاء بالإخطار والشفافية الكاملة والرقابة اللاحقة وأخيرًا الاحتكام للقضاء. ومن جانبهم شدد النشطاء على ضرورة تغيير خطاب الدولة المعادى تجاه المجتمع المدنى، والكف عن إلقاء تهم العمالة والخيانة فى وسائل الإعلام وإزالة اللبس حول دوره.
نشطاء: "الإخطار" "الشفافية" والرقابة اللاحقة والاحتكام للقضاء.. ضمانات تحرير العمل الأهلى فى مصر
الأحد، 26 فبراير 2012 05:43 م
أحمد راغب مدير مركز هشام مبارك للاستشارات القانونية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة