مصطفى محمود جبر يكتب: عفواً نكتفى بهذا القدر من الثورة

الأحد، 19 فبراير 2012 01:16 ص
مصطفى محمود جبر يكتب: عفواً نكتفى بهذا القدر من الثورة             ميدان التحرير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يكاد يجمع كل المصريين، على أن الثورة لم تحقق إلا النذر القليل من أهدافها، فقد حدد الثوار منذ الشرارة الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير أهداف الثورة -التى كان من المفترض تحقيقها - فى ثلاثة أهداف هى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبعد مرور أكثر من عام على الثورة، لم يتحقق أى من تلك الأهداف باستثناء حرية التعبيرالتى حصل عليها المواطن ­، فقد أصبح لا يجد حرجاً فى الحديث عن سياسة الدولة والنظام الحاكم، كيفما يشاء وقتما يشاء خارج بيته.

على عكس ما كان قبل الثورة، فقد كان من يفكر مجرد التفكير فى التحدث عن السياسة الخاصة بالنظام الحاكم، خارج بيته وأحيانا داخل بيته، يعتبره أهله وذووه إما مفقوداً أو مقتولاً أو معتقلاً بغير سند قانونى، أو حتى مسجوناً بحكم محكمة عسكرية، كانت مخصصة لمحاكمة من لا يجدون لهم حكما فى قانون العقوبات، من المواطنين الذين يقعون فى براثن جهاز أمن الدولة بالصدفة، دون أن يكون لهم أى نشاط سياسى، أوالأفراد ذوى المرجعيات الإسلامية من الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والسلفيين.

هذا إلى جانب ما حققته الثورة من إقامة انتخابات نزيهة، أتت بمجلس شعب منتخب منذ سنوات، كما أنها أيضا جعلت الصحفيين يكتبون بحرية تامة دونما قيود أوعراقيل أمامهم، والثورة أطلقت العنان كذلك لبرامج التوك شو لتتحدث بحرية تامة، وتناقش كافة القضايا المتعلقة بالوطن.

لكن غير هذه المكتسبات التى ذكرتها، لم تحقق الثورة أياً من أهدافها، بل على العكس تماما فقد ساءت أحوال البلاد اقتصادياً، على ما كانت عليه من سوء خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، و كذلك الأمن الذى انسحب أيام الثورة من المشهد بالكامل، ليعود تدريجياً على استحياء، بأياد مرتعشة لا تتفق مع طبيعة عمل رجال الأمن.

وللأسف الشديد أصبح بعض المصريين، وهم ليسوا بالعدد القليل، يتذكرون أيام النظام السابق، ويتمنون العودة بالزمن إلى الوراء. فهناك شريحة كبيرة من الشعب المصرى يعتمدون فى حياتهم على الكسب اليومى، كعمال البناء والتشييد و(الفاعل) والمخابز وبائعى الجرائد والباعة الجائلين، وهم يعتمدون فى كسبهم على عاملين أساسيين هما الأمن ودخل المواطنين، وهذين العاملين قد تأثرا كثيراً بعد الثورة.

فأصبح هؤلاء العمال يجدون قوت يومهم بالكاد، فيوماً يحصلون عليه، واليوم الآخر لا يجدونه، بسبب انتشار البلطجة وانعدام الأمن، وتراجع دخل المواطنين.

وكل هذا النكوص من الثورة عن تحقيق أهدافها، يعود إلى أن رأس النظام قد تغير، المتمثل فى الرئيس المخلوع بينما لم يمس هذا التغيير جسد النظام، فالفساد لم يتحرك، مازال جاثماً على كاهل الشعب المصرى، ومؤسسات الدولة كافة.

وحل هذه المشكلة هو وصول الثورة إلى كل ركن وشبر وذرة تراب فى كل ربوع مصر، وهذا لن يتحقق إلا إذا اقتنع رجل الشارع البسيط بالثورة، وتكفل بتحقيقها جنباً إلى جنب مع الشباب المثقف، الذى كان الشرارة الأولى للثورة، والخطأ الفادح للثوارالشباب، أنهم لم ينزلوا إلى الشارع، ليقنعوا المهمشين والعمال البسطاء -وهم غالبية الشعب المصرى- بالثورة، بل اكتفوا بتعليق بعض اللافتات الصغيرة فى الجامعات، والحيز الصغير حول ميدان التحرير، بل أقول إنهم قد جانبنهم الصواب والعقل، عندما اعتقدوا أنهم وحدهم بعشرات الآلاف من الشباب المثقف، يستطيعون الوصول بالثورة إلى كل ربوع مصر.

فعندما ترى ميدان التحرير تجد به مئات المعتصمين فقط، وقد يصلون فى أحسن الظروف والأحداث الكبيرة إلى عدة آلاف ليس أكثر. فلماذا لا تكون مصر كلها ميدان التحرير، كلها تكون ثائرة تغلى بالثورة، كل شبر كل ذرة تراب مفعمة بالثورة.

وتاريخ الثورات يخبرنا بأن أى ثورة حدثت عبر عصور التاريخ المختلفة، كان أهم عامل فى نجاحها هو مساندتها من جانب الشعب، وخاصة الطبقة الفقيرة الكادحة العاملة، لأنها تمثل أغلبية الشعب فى الدول التى تحدث فيها ثورة، أو حتى التى تكون مؤهلة لحدوث ثورة بها، ويكون هذا نتيجة للظلم الاجتماعى، وسوء توزيع الثروة بين أفراد المجتمع، و استحواذ طبقة بعينها تمثل فى الغالب أقل من عشرة فى المائة من المجتمع، على النسبة الأكبر من هذه الثروة التى هى ملك لكل الشعب.

ولولا أصحاب الورش والعمال لما قامت الثورة الفرنسية، ونجحت فى تحقيق أهدافها، وكذلك الثورة الروسية نجحت بجهود عمال المصانع وليس بالمثقفين وحدهم. فالمثقفون تكون لهم القيادة، ولكن من يقوم بالثورة ويكون وقودها الذى يشعلها، هم عامة الشعب من العمال المطحونين والمهمشين، بعد أن يقتنعوا بالثورة وأهدافها.


والأزمة فى مصر الآن كيف للشباب المثقف الثائر أن ينزل إلى الشارع ويُقنع عامة الشعب بالثورة، وإلا لو بقى الوضع على ما هو عليه، سيقول عامة الشعب عفوا نكتفى بهذا القدر من الثورة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة