د. رضا عبد السلام

لا.. يا سيادة المستشار

السبت، 11 فبراير 2012 10:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت وتابع الملايين من أبناء مصر، التواقين إلى الحرية والتقدم، المؤتمر الصحفى الذى عقده رئيس نادى القضاة، والذى سخره لترهيب وتخويف وتحذير....إلخ، كل من يحاول أن يوجه نقداً لقصور أو فساد فى عمل المؤسسة القضائية، وكأن القضاء مؤسسة هبطت من السماء!!

سيدى الفاضل، أنا أستاذ فى كلية الحقوق، وأدرك تماماً أن هناك قضاة عدولا نفاخر بهم الأمم، ويذخر تاريخنا بالمئات منهم، ولكن، وعلى الجانب الآخر، أنا وأنت نعرف جيداً أن القضاء شأنه شأن أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، لم ينج من الوقوع فى براثن الفساد.

يا رئيس نادى القضاة، أستطيع القول بأننى أشعر بالخجل الشديد، الذى يصل إلى مستوى العار، عندما يسألنى طالب متفوق وطموح عن مدى إمكانية دخوله النيابة!! وخاصة إذا كان من أصول ريفية أو من عائلة مصرية بسيطة؟! فما من طالب إلا وهو على يقين تام بأن التعيين فى الهيئات القضائية المختلفة لا يتم بناءً على أسس موضوعية شفافة. وأستطيع سعادة المستشار أن أثبت ذلك فقط "لو أتيحت لى الفرصة". فقط أعطونى الفرصة للاطلاع على ملفات كل من عينوا فى الجهاز القضائى على مدى عشرين عاماً!! هل يمكن أن تسمحوا لى بذلك؟!

فقد أُلقى بآلاف المتفوقين البسطاء فى الشارع، وعُين بدلاً منهم الآلاف، ممن قضوا فى كليات الحقوق سنوات وسنوات من الفشل والرسوب، وكانوا يخرجون ألسنتهم للمجدين المتفوقين؟! هل يستطيع أحد أن ينكر تلك الحقيقة يا سعادة المستشار؟! إذاً، الحقيقة المرة يا سعادة المستشار هى أن أغلب من تم تعيينهم لم يكونوا من المتفوقين، بل كان التعيين فى جهاز "العدالة" من نصيب أصحاب الحظوة، وهذه حقيقة يعرفها كل مصرى، وخاصة كل من كان له ابن أو قريب تقدم للتعيين فى الهيئات القضائية.

سيادة المستشار، مصرنا تعيش ثورة، وينبغى أن تطال هذه الثورة كل مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. لذا، لم يعد مقبولاً أن يخرج علينا قاضٍ ويتحدث عن أحقية ابنه فى وراثة القضاء حتى ولو لم يكن متفوقاً. فأنى تتحقق العدالة على يد مغتصب لها؟! كيف يمكن أن يخرج العدل وأن تتحقق العدالة الناجزة على يد شخص دخل القضاء من الباب الخلفى؟!
سيادة المستشار، أنت تعلم أن مالا يقل عن 30% ممن يعملون فى الجهاز القضائى هم من أبناء المستشارين، حتى ولو لم يحققوا التفوق. فمكانهم محجوز وكأنها تركة يتم توزيعها، تماماً مثلما يفعل بعض الفاسدين من أساتذة الجامعات!! مؤكد أن ابن المستشار الذى حقق التفوق من حقه التقدم شأنه شأن غيره من أبناء المحروسة، ولكن لا ينبغى تقديمه على غيره لمجرد كونه تربى فى بيئة قضائية كما قال بعض المستشارين... فهذا الذى تربى فى بيئة قضائية كان أولى به أن يحقق التفوق وليس العكس، ومن ثم فهو ليس أهلا لهذا المكان!

أبعد كل هذا تأتى سيادتك وترهب وتخوف الناس وتحذرهم من نقد جوانب القصور فى جهاز القضاء؟! لا يا سيادة المستشار، ينبغى أن تدرك أن مصر تتغير، وأن حاجز الخوف قد اقتلعه المصريون وذهب إلى حيث لا رجعة. نعم يا سيادة المستشار، العدالة بطيئة، ولو كان القضاء كفئا لحفظنا ثورتنا، ولخطونا خطوات كثيرة إلى الأمام. إن بطء العدالة يا سعادة المستشار هو شكل من أشكال إنكار العدالة. ولكن، أنى يتأتى الإنجاز وأن تتحقق الكفاءة على يد من دخل القضاء من بابه الخلفي.

يا سيادة المستشار، أدعوك لأن تهدئ من خطابك، لأن لغة خطابك الراهنة لا تليق ولا تتوافق مع رقى وعظمة القانون الذى تحمله أو الصورة الرائعة لحامل القانون. فقد رسم الناس، وعلى مدار التاريخ صورة راقية لرجل العدالة، فأرجوك اجتهد قدر ما تستطيع للحفاظ على تلك الصورة، حتى نستطيع أن تميز بين ضابط الشرطة ورجل القضاء!!

وأنتم يا قضاة مصر، وخاصة الشرفاء منكم، يا من دخلتم هذا الجهاز عن جدارة واستحقاق، ولم تذبحوا المتفوقين للصعود على جماجمهم، أدعوكم لإصلاح ما أفسده المفسدون فى هذا الجهاز العظيم.

يا سيادة المستشار، ليست هناك قدسية لأحد، ولن تكون هناك قدسية لأحد بعد ثورتنا التى حررتنا من كل أشكال العبودية. ومن ثم، فإن احترام الناس للقاضى لن يأتى كرهاً، وإنما عن قناعة وقبول. فالقاضى شأنه شأن أى مواطن يؤدى رسالة فى الحياة، وإذا كان المشرع قد منحه حصانة، فإنها لم تمنح لشخصه، وإنما لتمكينه من إعمال كلمة القانون، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

أنا على يقين بأن رسالتى تلك ستصل واضحة إلى كل قاضٍ شريف، يدرك تماماً مشكلات جهاز القضاء. كما أدرك تماماً بأن رسالتى تلك لن ترضى مغتصبى العدالة، ومن صعدوا على جماجم الآخرين، وتحولوا بقدرة قادر إلى سادة يأمرون وينهون، وهؤلاء ليسوا قلة.

وهؤلاء – فى حقيقة الأمر – لا تعنينى ردة فعلهم، بل على العكس من ذلك، ينبغى أن نقف لهم جميعاً بالمرصاد... لتطهير القضاء منهم ومن شرورهم. فالعدل أساس الملك، وحتى نضمن لمصرنا التقدم علينا أن نضمن وجود جهاز قضاء مستقل وكفء ونزيه... اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

* أستاذ بحقوق المنصورة .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة