ليس هذا جدلا عقيما ولا حوارا سفسطائيا بلا معنى، إنما هى محاولة للفصل بين ما هو وطنى وما هو شخصى، بين ما هو قومى وما هو حزبى، وهو دعوة للتفكير بعقل وسط أجواء يريد البعض أن ينزع عقولنا من رؤوسنا ونسلم له أنفسنا كما الميت بين يدى من يقوم بتغسيله!
البعض يريد إيهامنا أن كل صوت معارض للعصيان المدنى ولاقتحام الوزارات وأقسام الشرطة ومحاصرة مجلس الشعب ومجلس الوزراء يعد خيانة عظمى، ويريد هذا البعض أن يفهمنا أن هذا هو تيار الثورة وأن ما عاداه هو تيار الخونة هكذا ببساطة!
إن أعظم ما أنتجته الثورة هو السماح للرأى الآخر بأن يعبر عن نفسه وأن يكون الكل فى بوتقة الوطن التى تحتضن الجميع بلا استثناء ولهذا فإن مسألة فرض العصيان المدنى أو التلويح به على أنه أمر وطنى نابع من إحساس بالخوف على الثورة هو أمر مردود عليه لعدة أسباب:
1- هناك فريق آخر يعتقد ولديه شرعية شعبية لا يشك فيها أحد يرى بأن الثورة ماضية فى تحقيق أهدافها المرسومة لها وفق خريطة زمنية لا يمكن القفز عليها. ولا أقصد بالخريطة الزمنية مسألة تسليم العسكر للسلطة إلى المدنيين ولكن أقصد الوقت المطلوب لقيام حكومة منتخبة بتنفيذ خطتها الإصلاحية والتى ولا شك ستستغرق سنوات ولا أعتقد أن هناك من يجادل فى ذلك اللهم إلا من ليس له دراية بالسياسة وعلم بالاقتصاد
2- أشعر أحيانا بأن هناك خلطا متعمدا بين العام والشخصى وألحظ فى كلمات ومداخلات وحتى تصريحات ومقابلات هذا البعض أنه لا يعرف أو لا يدرى حقيقة الأمور وكل ما يهمه هو أن يرتفع صوته وتعلو كلماته حتى فوق النظم واللوائح والقوانين وهذا يعنى أن هذا البعض لا يريد إقامة دولة القانون بل دولة "أنا" وهذا لا يفرق كثيرا من وجهة نظرى عن مبارك وابنه جمال وعن أى نظام مستبد آخر.
3- البعض لا يريد ولا يرغب أن يفرق بين من شاركوه الثورة وبين خصوم وأعداء الثورة ويحاول عن عمد الجمع بين الجميع على اعتبار أن شركاء الثورة كانوا منافسين قبل الثورة، وبالتالى فقد تحولوا بعد فوزهم فى الانتخابات إلى جانب السلطة، وهذا يعنى وبطريقة أوتوماتيكية تحولهم إلى جانب الخصوم دون أن يدرك أن هذا الفريق لم يستلم السلطة بعد، ولم يختبر بعد، ولماذا العجلة فى تحديد المواقف من السلطة، أو ليس من الممكن أن يصبح الجميع شركاء فى السلطة كما كانوا شركاء فى الثورة.
4- العصيان المدنى يكون ضد سلطة نريد تغييرها، ونحن اليوم أمام سلطة تتشكل على عين الشعب ومن صنع يده وسلطة أخرى قررت وأعلنت أنها ستنسحب من مكانها لتعود إلى ثكناتها وبيننا وبين وعدها شهور قليلة وخطة الانتقال تسير فى طريقها المرسوم، وما حدث من أحداث عنف وقتل على أهميته لا يتطلب العصيان المدنى بل يتطلب التظاهر من أجل محاكمة المتهمين وجلبهم لقاعات المحاكم حتى تقضى أمرهم إن أردنا أن نقيم دولة القانون.
5- إن الداعين للعصيان المدنى لا يمكن أن يقولوا بأنهم يمثلون الشعب المصرى ولكنهم مجموعة ترى ذلك، وعليها أن تتحمل نتائج فشله وأن تعترف بأنها غير مؤهلة لقيادة الشارع والذى لا شك يرفض القفز على الوسائل المتعددة واستخدام العصيان المدنى فى مواجهة ما يجرى، كما لا يمكننى أن أساوى بين شرعية الانتخابات التى جاءت لترسيخ مفهوم سلمية الثورة مع شرعية من يحملون الحجارة ويحاصرون مؤسسات الدولة ويحاولون إفساد الحياة السياسية لأنهم غير راضين عما يجرى ولا يرون فائدة فى الطريقة الحالية لإدارة الملف.
6- وأتوجه بالسؤال لم يدعون للعصيان؟ ما هى مدته ومتى يمكن أن يفض؟ وماذا لو أنه فشل أو تحول إلى كارثة، من ساعتها سيدفع الفاتورة أم سنلقى باللائمة على الإخوان والسلف والمجلس العسكرى وحسنى مبارك.
7- إذا كان هناك اتفاق شعبى على أن الثورة لم تحقق أهدافها فهذا مفهوم لأن الوقت غير كاف وأن علينا الانتظار لكى تحقق ذلك لأنها ليست ثورة "افتح يا سمسم" بل ثورة شعب فى بلد تعود على الحكم الفردى والفرعونى لقرون، وعلينا أن نراعى أهمية التغيير الثقافى ودور التوعية فى تحقيق أهداف الثورة التى لن تتحقق بشكل تلقائى بل ستكون نتيجة جهد وعرق على مدار السنين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
سريعا
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحمن يوسف
رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
Salama
كلام معقول
كلام جميل، كلام معقول، مقدرش أقول حاجة عنه
عدد الردود 0
بواسطة:
م/خالد على ..... الكويت
حفظك الله يا مصر