يقول الحسن البصرى "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
انتهت المرحلة الانتقالية بإقرار الدستور، ويتوقع الكثيرون أن تحقق مواده الـ(236) الاستقرار والنمو، الذى طال انتظاره طيلة العامين الفائتين.
ورغم ما تُقدمه الدساتير من استقرار لأسس وقواعد البناء المؤسسى فى الدول، فإنها قد تأخذ وقتًا فى تحقيق الاستقرار المجتمعى، بخاصة فى الحالة المصرية؛ حيث أجواء ملؤها الانقسام والتشرذم بين القوى المجتمعية الفاعلة.
وأمام واقع الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وفى ظل ما يحويه المجتمع من تناقضات عديدة، يتعين على من بيده السلطة قبل بدء مرحلة البناء استحضار قيمة أخلاقية يبدو أنها غابت وسط أجواء المُشَاحَنَةٌ والمُخَاصَمَةٌ الحاصلة ألا وهى "محاسبة النفس" التى أقرها ديننا الحنيف فى أكثر من موضع، وقد أشار إليها الإمام البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، فى منهجه التربوى، بتأكيده على ضرورة محاسبة النفس ونصح الأخ أخاه متى رأى فيه عيبًا.
وغالبًا ما تجلب "محاسبة النفس" قيمّ كثيرة على رأسها الاعتراف بالخطأ، الذى يعقبه مباشرة ممارسات هدفها تصحيح ما وقع من أخطاء، ومن ثمّ إذابة كرة الثلج التى تكونت بين السلطة وأطراف ثورية عدة، وبالتالى فإن حضور قيمة المحاسبة بين الجماعات والأحزاب يعنى حضورًا لممارسات أخلاقية غائبة كالمصارحة والمصالحة، ناهيك عما تُحققه المحاسبة من استقرار نفسى للفرد والجماعة والمجتمع بأكمله.
ورغم ما تحمله "المحاسبة" من فوائد جمة كما أوضحنا سلفًا، فإنها للأسف غابت عن عقول جميع الفاعلين فى الحياة السياسية المصرية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وأخص هنا الإخوان عن الباقين لأمرين، الأول: هم من بيدهم السلطة، وصاحب السلطة بيده إفشاء أجواء أكثر صحية ومصالحة فى المجتمع، والثانى: أنهم مؤهلون بسبب تنظيمهم الجيد لتقديم المشروع الإسلامى الحضارى للعالم الخارجى.
والمراقب الجيد للمرحلة الانتقالية يلحظ أن أخطاء الإخوان تعددت وتنوعت درجة حدتها، فمنها ما أثر على شرعية الجماعة الدينية، كقرار نزولهم بمرشح فى الانتخابات الرئاسية، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية لصورتهم فى الشارع المصرى، ومنها أيضًا ما زاد من تعميق الفجوة بينهم والثوار الحقيقيين، كتخليهم عن الثوار فى أحداث محمد محمود الأولى 19 نوفمبر 2011م، بل ووصفهم لهم حينها بأنهم يمارسون البلطجة، علمًا بأنه لولا أحداث محمد محمود ما كان الإخوان فى سدة الحكم الآن، وأخيرًا موقعة الاتحادية أواخر ديسمبر 2012م، والتى راح ضحيتها قرابة الـ12 شخص أغلبهم من أبناء الجماعة ذاتها.
فلم تكن موقعة الاتحادية مجرد حدثًا شهد دماءً مصرية تسيل، بل كاشفًا لمدى الخلل التوجيهى عند من دعوا إلى النزول أمام القصر بحجة حماية الشرعية؛ إذ تعدى أبناء الجماعة على خيام الاعتصام، وأهدروا بذلك أحقية المعتصمين فى تواجدهم وتعبيرهم عن رفضهم لقرارات القصر، بل وأهدروا كذلك حرمة تساوى حرمة البيوت والمنازل، والأكثر من ذلك تسببوا فى فقدان الجماعة لعدد من خيرة شبابها.. فمن المسئول عن نزول هؤلاء إلى الاتحادية؟.. أليس من حق المصريين على السلطة محاسبة من أرسلهم ومن قتلهم؟
والأغرب من ذلك تبريرات الجماعة التى رددوها؛ بأن هناك مؤامرة لاقتحام القصر من قبل بعض العناصر، لإسقاط الرئيس المنتخب وإعلان مجلس رئاسى، وكأننا أطفال صغار وجب علينا تصديق روايتهم، وأن نتناسى دور الشرطة والحرس الجمهورى والجيش فى حماية الشرعية.
إضافة إلى ذلك نجد أن أخطاء الإخوان أثناء المرحلة الانتقالية، لم يتمّ تبريرها بطريقة تتخذ من المنطقية منهجًا، فمثلاً تبريراتهم المقدمة بشأن تغيير مواقفهم كنزولهم معترك الانتخابات الرئاسية كانت مقتضبة الخيوط؛ إذ ارتكنت كذلك فى كثيرٍ من جوانبها إلى نظرية المؤامرة، وأن الوقت سيجىء بحسب قيادات الإخوان للإعلان والإفصاح عنها، - وللأسف طال انتظار هذه المكاشفة-، وذلك هو الحال ذاته فى أحداث محمد محمود الأولى، وموقعة الاتحادية، فلم توضح الجماعة أسباب ما اتخذته فى هاتين الواقعتين من مواقف يراها البعض متخاذلة فى الأولى، وعبثية فى الثانية.
ومما سبق، يتضح أن الإخوان طيلة المرحلة السابقة تناسوا قيمة "محاسبة النفس"، لأنه فى حال تذكروها ما وقعوا فى مثل هذه الأخطاء، ولذلك فإن الوقت الآنى يتطلب من الجماعة وقفة مع النفس لمحاسبتها بخاصة وهى على أعتاب مرحلة جديدة، والتى من ضروراتها تحقيق نتائج المحاسبة من مصارحة ومكاشفة لكل ما أتُخذ من مواقف طيلة المرحلة الانتقالية، والاعتذار عن الأخطاء فى الماضى، وأخيرًا المصالحة مع الجميع لبدء البناء.
* باحث فى الشئون السياسية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د أكرم
المحاسبة بداية الصعود
عدد الردود 0
بواسطة:
الطيب عبدالله
نعم لمحاسبة النفس
عدد الردود 0
بواسطة:
م / أيمن أبو النصر
أدعم و بقوة الدعوة لمحاسبة النفس