د. رضا عبد السلام

لا سياسة ولا سيادة بدون اقتصاد!!

الأحد، 30 ديسمبر 2012 09:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتذكر أن ثانى مقال كتبته بعد أسبوعين من قيام الثورة كان يحمل عنوان "نحو رؤية استراتيجية لاقتصاد مصر ما بعد الثورة"!! فكنت أحلم بأن نشرع فى التخطيط لجعل مصر واحدة من أكبر الاقتصادات الناهضة والدول حديثة التصنيع بحلول عام 2030م.

ولكن جرفنى- كما جرف الجميع - سيل السياسية، فغرقنا جميعاً فى مهاترات سياسية خسر فيها الاقتصاد ما خسر، وأوشكنا على الوقوف على حافة الهاوية، حتى ولو حاول البعض إخفاء الحقيقة، سواءً أيضاً لاعتبارات سياسية وانتخابية أو عناداً واستكباراً وعدم اعتراف بالفشل!!

الآن بعد عامين من الحديث المسرف فى السياسة وعالمها الغائم، وبعد أن تبدت مشكلة مصر الاقتصادية للجميع، أعتقد أننا إن لم نَفِق من هذا الكابوس – وأقصد كابوس السياسة والسياسيين ونُخَب الخراب – فلن تقوم لمصر قائمة، وستدخل مصر فى نفق مظلم، ونكون نحن من أدخلها فى هذا النفق بجهلنا وأنانيتنا وتكبرنا!!

آن الأوان لأن نقول وبملء فينا لمن يسمون بالنخب السياسية، التى هبطت علينا من السماء، أن اصمتوا وأزيحوا وجوهكم أو اقصفوا أقلامكم رحمة بمصر وشعبها. أقول للفضائيات التى اتخذت من الأحداث السياسية مطية لتعظيم الأرباح، إذا كنتم حقاً تريدون الخير لمصر أدعوكم لأن تتفقوا على تخصيص شهر متواصل ليس لإشعال الحرائق ولكن للحديث عن البناء والإنتاج والصناعة وخلق فرص العمل.. هل يمكنكم ذلك؟ هل يمكنكم التضحية بأرباحكم لشهر من أجل مصر؟ أم أنكم أدمنتم حديث الخراب والدمار والتدمير لكل ما هو قيم على أرض هذا البلد؟!

يا حضرات، تُعلِمنا دروس التاريخ أن قوة الأمة السياسية تنطلق فى المقام الأول من قوتها الاقتصادية، ولى فى هذا الخصوص مثالين مهمين: تركيا.. التى نتحاكى بها الآن وبتجربتها وصعودها اللافت وعلو صوتها، كيف كان حالها قبل 10 سنوات مضت؟!

لقد كانت تركيا تستجدى الاتحاد الأوروبى لقبول انضمامها إليه، وبلغ بها الحد إلى التفكير فى التخلى عن الكثير من الثوابت ومنها ثوابت إسلامية، كعقوبة الإعدام (القصاص فى القتل) لإرضاء الأوروبيون عنها!! ورغم ذلك أدار الغرب ظهره لتركيا!!

أتدرون ما الوضع الآن؟ الآن بعد قفزت تركيا تلك القفزة الاقتصادية المذهلة، ارتفع صوتها السياسى وباتت لها كلمة، حيث عندما تتحدث تركيا على الآخرين أن يستمعوا وبإنصات، وبدأت فى رسم خارطة سياسية جديدة، بحيث تكون هى محورها، وبدلاً من أن تستجدى الغرب لأن تنضم إليها أدارت له ظهرها، بل بدأ الغرب يخطب ودها!! إنه الاقتصاد يا حضرات.. فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، من غير اقتصاد قوى لا وجود للسياسية أو الكيان الوطنى ككل.

أما المثال الثانى والشهير فهو مثال الاتحاد السوفيتى، تلك القوة العظمى التى لطالما أرعبت الغرب، ولكنها ماتت كما يموت الإنسان فى عمر السبعين (1917-1989م) أتدرون لماذا؟ فتش عن الاقتصاد!! كان قرار تفكيك الاتحاد السوفيتى عام 1989 قرار سياسى ولكنه اتخذ بعد أن وهن الاتحاد اقتصادياً، وبدأت روسيا فى مد يدها للعالم منذ منتصف الثمانينات للحصول على الغذاء.. إنه الاقتصاد يا ذكى!!

وعليه، أدعو كل من قامروا وتاجروا بثورتنا، وكل من افترض الجهل فينا وتحدث بألسنتنا أن يقل خيراً أو ليصمت. آن الأوان لأن تعود عجلة الإنتاج للدوران، وأن يكون هناك حَزم على الأصعدة كافة وخاصة على الصعيد الأمنى، ومن يتقاعس عن أداء مهمته عليه أن يترك الساحة لغيره.

فلا مكان لقاضٍ أو أستاذ جامعى أو عامل يعطل العمل. فهناك آلاف المؤهلين الأكفاء على استعداد تام للحلول محلهم.

دعونا نتخلى عن الأطماع الحزبية الدنيئة، وأن نفكر لبعض الوقت فى اقتصاد مصر. علينا أن نشرع من الآن فى وضع رؤية استراتيجية لمصر يشارك فى صياغتها خيرة عقول مصر، وليس خيرة عقول الإخوان كما هو قائم الآن!! فللأسف الشديد أخطأ من هم فى السلطة أخطاءً شنيعة فى حق أنفسهم قبل أن تكون أخطاؤهم فى حق مصر. فقد أثبتوا أنانية مفرطة وتسرعاً مخجلاً، ولهذا كان الأداء فى غاية السوء، وليس أدل على ذلك من الإصرار على الإبقاء على رئيس وزراء لا تتناسب إمكاناته وتكوينه مع متطلبات المرحلة!

ولهذا كل الأمل فى مجلس الشعب القادم، فى أن يعيد تشكيل الخارطة المصرية. ومن هذا المنطلق أدعو كل من تَوارى عن الصورة خلال العامين الماضيين، وخاصة الشرفاء من نوابغ وخبراء مصر، أن يقدموا أنفسهم للناس وألا يخشوا الفشل أو أعداء النجاح. فالتجربة خلال العامين الماضيين عرت وكشفت عوار الجميع، ولهذا فإن الساحة مهيأة للبناءين الشرفاء. مؤكد أن الطريق ليس ولن يكون مفروشاً بالورود، ولكن مؤكد أيضاً أن مصر تستحق أن يتحرك الشرفاء والمخلصين من أبنائها، الذين آثروا العزوف خلال فوضى العامين الماضيين، من أجل بناء مصر الجديدة. والله الموفق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة