د. رضا عبد السلام

عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم!!

الجمعة، 21 ديسمبر 2012 08:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعم.. ربما يشعر البعض منا بالندم على اختياره لتيارات الإسلام السياسى، سواءً خلال الانتخابات البرلمانية أو خلال الانتخابات الرئاسية!! كنت أنا شخصياً ممن طالب بإعطائهم الفرصة، لدرجة أن البعض وصفنى بأننى إخوانى القلب والهوى.

والحقيقة، الإخوان ليسوا سبة، كما أن الانتماء إلى تيار دينى ليس عيباً أو شيئاً يدعو إلى الخجل حاشا لله، ولكنى كما ذكرت مراراً أعتز بكونى "مصريا يعتز بهويته العربية الإسلامية وفقط".

لقد فشلت تيارات الإسلام السياسى فى استثمار تلك الفرصة التاريخية التى لن يجود الزمان بمثلها. وأعتقد أن نتيجة الاستفتاء على الدستور (خلال المرحلة الأولى) تقدم مؤشراً دامغاً على هذا الفشل!! فتصويت حوالى 45% بلا يعنى أن حوالى نصف المصوتين يعلنون رفضهم المباشر لسياسة النظام الحاكم (التيار الدينى). كما أن تصويت حوالى 55% بنعم لا تعنى أن 55% يؤيدون سياسة التيارات الدينية! ومن يقول بغير هذا فهو مزيف للحقائق والواقع.

فأستطيع القول – وعن قناعة - بأن من بين تلك الـ55% التى قالت نعم، ما لا يقل عن 40% صوتوا "بنعم" رغبة منهم فى تحقيق الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها وليس دعماً للإخوان أو نكاية فى الليبراليين. وأنا كنت من هؤلاء، لأننى أدرك جيداً المنزلق أو المنعطف الخطير الذى وصل إليه الاقتصاد والمجتمع المصرى الذى لا يمكنه أن يتحمل البدء من الصفر.
أعود إلى عنوان المقال، وأقول بأن التيارات الدينية، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين جاهدت على مدى أكثر من ثمانى عقود للوصول إلى السلطة، وهذا حقهم.

وقد أدركنا جميعاً مدى التنظيم فى أنشطتهم وفعالياتهم وهو ما استثار حماستنا نحوهم بغض النظر عن شواهد التاريخ المؤلمة. كما أنه بعد الثورة لم يكن هناك فصيل أو تيار جاهز بمستوى جاهزية الإخوان، ولهذا كانوا هم الأكثر تأهلاً.

الأمر الآخر هو أن علينا أن نجيب على السؤال التالى: أليس الإخوان شأنهم شأن أى تيار آخر، ومن ثم من حقهم أن يتقدموا وأن يجتهدوا؟ فإن نجحوا نشد من أزرهم، وإن فشلوا فالصندوق بيننا وبينهم؟! وها هى تيارات الإسلام السياسى (الإخوان والسلفيين) أعطيت الفرصة وهذا حقها، ولكنها أضاعتها بسذاجة مفرطة، وخسرت فى وقت قياسى تعاطف الملايين!!

وللتاريخ أقول، أنا لست سعيداً أو شامتاً (كما يفعل بعض الليبراليين) لفشل تيارات الإسلام السياسى فى إدارة البلاد، لأننى من قلبى كنت أتمنى أن يخرج من رحم الثورة نظام يقدم مصر الوسطية فى دينها وقيمها وعاداتها، لتعود لتعلم العالم من جديد. ولكن للأسف الشديد وجدنا كيانات أغرتها أضواء الشهرة وكراسى السلطة، فتمادت فى غيها وأخطائها وتكبرها، حتى خسرت دعم الشارع، وأضاعت علينا وعلى الإسلام فرصة تاريخية.

إذاً، على نفسها جنت براقش. نعم ... لقد أعطاهم شعب مصر الطيب فرصة ذهبية وهاهم أضاعوها على عجل، فما كان من الشعب إلا أن رد عليهم بالرفض، سواءً فى نسب المشاركة فى الاستفتاء (لا تتعدى 35%) أو فى نسبة من قالوا "لا" أو حتى من قالوا نعم من أجل مصر واستقرارها لا من أجل تيار بعينه! وانتظروا المفاجأة فى الانتخابات البرلمانية إن شاء الله!!

وحتى لا يفهم البعض كلامى خطأً، فإن من يسمون بالليبراليين هم أيضاً لاقوا ذات المصير، خلال عملية الفرز التى عشناها خلال العامين الماضيين. فقد أثبتوا هم الآخرين أنانية مفرطة وتسلطاً صبيانياً، حيث لم يكن لهم من هَم سوى إفشال التيار الدينى للصعود على حسابه. فهؤلاء سينالهم ما سينال التيارات الدينية خلال الفترة المقبلة إن شاء الله.

إذاً، عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. علينا ألا نحزن أو نندم على ما عايشناه خلال تجربة العامين الماضيين من عمر الثورة. فكما كان الظهور سريعاً ومفاجئاً، فقد كان الخروج والفشل سريعاً ومفاجئاً.

يعلم المولى عز وجل أننى أكتب هذا المقال ويعتصرنى الألم، لأننى أرى العالم يتابعنا ويراقبنا، وينسب هذا الفشل إلى دين عظيم، هو برىء من كل من تاجر أو تمسح به. كما أننى فى غاية الحزن لأننى أخشى أن يقابل هذا الفشل بصعودٍ متطرف لتوجه علماني، يعيدنا إلى فترة الستينات والسبعينات!! فهذا تطرف وذاك تطرف وكلاهم مر، باعد الله بيننا وبينهما إلى يوم القيامة.

وأعود وأقول بأن ثقتى فى الله أولاً ثم فى هذا الشعب العظيم والذكى كبيرة جداً. وأنا على يقين تام بأنه سيواصل رحلة الفرز – بعد أن عرف طريقه – ليصل بالغالية مصر إلى بر الأمان، ولن يتمكن أى تاجر أو منافق أو غبى خداعه من الآن فصاعداً، ومن لم يستطع قراءة نتائج الاستفتاء جيداً عليه أن يراجع نفسه. والله الموفق.

• أستاذ بحقوق المنصورة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة