بحركة بطيئة وجسد أنهكته قسوة الشارع، ألصقت ظهرها بسور محطة المترو التى انطبعت عليها تقسيمات منحنية لجسد قارب الستون حفر تفاصيله على السور ببطء عاماً بعد الأخر قضتها مستندة إلى جدار محطة "جمال عبد الناصر"، تراقب المارة بعينين ملأهما الرضا، وابتسامة لا تفارق وجهها قط.
أمامها فرشت بضاعة "الفكة" كما فضلت أن تطلق عليها بخفة دم يعرفها كل من مر على "أم شريف أثناء جلستها اليومية أمام فرشة "فونيات البوتجاز" و"جلد الأنبوبة" وحاملات عدة الشاى والقهوة وغيرها من القطع الدقيقة التى اشتهرت ببيعها على رصيف دار القضاء العالى، فى عقلها الصغير احتفظت بذكريات حملات البلدية التى اعتادت الهروب منها قبل أن تختفى البلدية بعد الثورة تاركة الرصيف مقراً لكل من هب ودب من الباعة الجائلين.
"عم سيد بتاع الجزم، وأحمد المغربى أقدم بياع جرايد فى وسط البلد، وفرشة كتب عم جمال" هم جيرانها من أهل الرصيف وأصحاب المهنة منذ عشرون عاماً، هؤلاء هم من تعرفهم " أم شريف" قبل غزو الباعة لرصيف دار القضاء العالى.
"زمان مكنش فى غيرنا هنا والبلدية كانت منضفة الشارع" بضحكة لامعة وبساطة فطرية تحكى عن ذكرياتها على الرصيف الذى غابت عنه حملات "النظافة" على حد تعبيرها قائلة "دلوقتى مبقاش حد بيجى خالص ولا حد بيقولنا قاعدين ليه ولا رايحين فين"، "أنا من باب الشعرية.. بس دا مكانى اللى معرفش غيره، عيالى 8 دخلوا الجامعة من الفرشة دى، وأنا مقدرش أسيب الشغل" تلتفت "أم شريف" لأحد الزبائن قائلة "ورق لأ يا بيه مبتتصرفش أنا عايزة فضة"، تضع "الفضة" فى إناء الفكة الزجاجى أمامها، وتكمل حديثها قائلة " الرصيف ده أنا شفت منه وسط البلد وهيا فى عز شبابها، كانت جميلة، ومفيهاش دوشة" تتوقف عن الحديث للحظة ثم تضحك مشيرة بأيديها لأعلى قائلة "الشعب يريد عودة البلدية".
"أنا عندى 60 سنة ونفسى أعد فى البيت بس الرزق على الله" تتوقف بهذه الجملة عن سرد الذكريات، ولكنها لا تتوقف عن الحديث مع الزبائن مرحبة بالمارة ممن يلقون التحية، لا تتوقف دعابتها عن إثارة ضحك جيرانها من أهل الرصيف، قائلة "أنا هفتح محل وأسيبكوا بس لما ترجع البلدية عشان مش هقدر أجرى".
فرشة "أم شريف" فى وسط البلد تطالب بعودة البلدية
الخميس، 20 ديسمبر 2012 12:20 م
أم شريف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة