صدر عن المركز القومى للترجمة، النسخة العربية لكتاب بعنوان "المرآة الدفينة"، للروائى المكسيكى الشهير كارلوس فوينتس، ونقله إلى اللغة العربية عن اللغة الأسبانية الدكتور على المنوفى، وهو كتاب يجيب على الأسئلة الصعبة، لماذا تحدث الثورات، وكيف يظهر الطغاة، وكيف تصل الشعوب الثائرة إلى هويتها.
يحتوى الكتاب على ثمانية عشر فصلاً، ويقع فى 442 صفحة من القطع الكبير، يحاول الكتاب أن يقرأ تاريخ الثورات فى أمريكا اللاتينية، وفى نفس الإطار يستعرض الكتاب جوانب مختلفة من العلاقة المركبة بين شاطئى الأطلسى، بين إسبانيا وتاريخها وعالمها فى شاطئ، وأمريكا وثقافتها وعالمها فى الشاطئ الآخر، وضمن ذلك كله ثقافات العرب واليهود والزنوج والسكان الأصليين للأمريكتين.
فى مقدمة الكتاب يقول فوينتس: "بعد خمسمائة عام على رحلة كولومبوس طلبوا منا أن نحتفل بالمئوية الخامسة لهذه الرحلة التى لا شك أنها كانت واحدة من الأحداث الكبرى فى تاريخ البشرية، وكانت البشارة التى أعلنت مجىء العصر الحديث والوحدة الجغرافية لكوكب الأرض. غير أن الكثير منا معشر المتحدثين بالأسبانية فى الأمريكتين نتساءل: هل هناك بالفعل ما نحتفل به؟عندما نلقى نظرة على ما يحدث فى الجمهوريات فى أمريكا اللاتينية مع نهاية القرن العشرين، فإن هذا يدفعنا للإجابة بالنفى على السؤال المطروح؛ ففى كاراكاس ومدينة المكسيك وليما وريو دى جانيرو نجد أن المئوية الخامسة لاكتشاف أمريكا تأتى ونحن نعيش أزمة عميقة، هناك التضخم الاقتصادى والبطالة وعبء الديون الخارجية الذى يتجاوز الحد؛ والفقر والجهل اللذان يزدادان، وتهاوى القدرة الشرائية وتدنى مستويات المعيشة. هناك شعور بالإحباط وضياع الأحلام والآمال التى تحطمت، وديمقراطيات هشة وتهديدات بانفجارات اجتماعية.
ومع هذا أعتقد أنه لدينا ما يمكن أن نحتفل به رغم مشاكلنا الاقتصادية والسياسية، فالأزمة الحالية التى تمر بها أمريكا اللاتينية قد أثبتت أن أنظمتنا الاقتصادية والسياسية هشّة؛ فقد سقط الكثير منها سقوطًا مدويًا، كما أن الأزمة أوضحت أيضًا عن شىء ظل ماثلاً، وهو شىء لم نكن واعين له بالكامل طوال العقود السابقة التى كانت تتسم بالازدهار الاقتصادى والفوران السياسى، وهو شىء ظل ماثلاً أمام أعيننا رغم كل الكوارث التى عانينا منها؛ إنه الموروث الثقافى، وهو الشىء الذى أبدعناه، ونحن فى غاية السعادة وفورة المشاعر الجياشة والتحدى؛ إنها الثقافة التى استطعنا إبداعها خلال القرون الخمسة السابقة بصفتنا أحفاد الهنود، والسود والأوروبيين.
يستطرد المؤلف فى فصل بعنوان "زمن الطغاة"، أنه لا يمكن لأحد أن يتعلم العوم إلا إذا ألقى به فى المياه، وما كان على أمريكا الأسبانية تعلمه هو أن واقعنا المجدد دائما هو المجتمع المدنى، وأننا بحاجة ماسة إلى طبقة متوسطة نشطة، ولكن لا يكون ذلك على حساب العقليات الإبداعية التى عليها المجتمعات الريفية، ومن هنا أخذت الدوائر الثقافية والأحزاب السياسية فى الإفصاح عن نفسها؛ لكن بين غيبة الملكية – آنذاك- وضعف المجتمع المدنى، وبين واجهة أمة القانون وحقيقة الأمة الفعلية كان هناك فراغ سوف يتم ملؤه بالشىء الذى كان يفزع منه الطاغية.
بحسب المؤلف، فإن المرايا الدفينة ترمز إلى الواقع والشمس والأرض والجهات الأربع والسطح، وما تحت الأرض، وكل الرجال والنساء الذين يعيشون على ظهرها، كانت تدفن المرايا فى مخابئ فى مختلف أنحاء الأمريكتين، لكنها الآن معلقة بأجساد أبسط المشاركين فى الاحتفالات فى جبال البيرو، أو فى الكرنفالات الهندية فى المكسيك، حيث يرقص الشعب وهو يضع الريش أو يعكس صورة العالم من خلال جزازات الزجاج فى أغطية الرأس. المرآة إذن هى الأكثر تعبيرًا عن ذات أكثر جدارة، مقارنةً بالذهب الذى قدمه السكان الأصليون، فى صورة مقايضة، للأوروبيين. ربما لم يكونوا على حق؟ أليست المرآة انعكاسًا للواقع مثلما هى مشروع للخيال؟
المؤلف كارلوس فوينتس ماثياس من مواليد 1928 ،من أشهر كتاب المكسيك،شارك فى إعداد الكثير من السناريوهات لبعض الأفلام،ألف العديد من الأعمال الروائية والمقالات، من أهمها موت أرتيميو كروث، الإقليم الأكثر شفافية، أرضنا.
أما المترجم، فهو الأستاذ الدكتور على إبراهيم منوفى، أستاذ بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، متخصص فى الأدب الأسبانى المعاصر، له العديد من الأبحاث المنشورة بالأسبانية والعربية فى مجالات الشعر والسرد القصصى، قام بترجمة ما يقرب من أربعين عنوانًا عن الأسبانية.