للمرة الأولى خلال ثمانية وعشرين عاما التى عاشها فى هذه الحياة، قرر أن يشارك فى تقرير مصير بلده التى لم يعيش فيها يوم سعيد، منذ أن ولد فى الصعيد وحتى جاء للمحروسة بحثا عن أمل، استيقظ ودون أن يفكر لماذا؟، أو حتى يحسم قراره ما بين نعم أو لا، تحركت أقدامه لتقطع مسافة لم يكن معه أموال ليقطعها فى أحد المواصلات حتى وصل إلى مجموعة المدارس التى يفترض أن تكون لجنة استفتاء الدستور، التى سيدلى بصوته بها داخل أحدها وعقب طابور وقف فيه ساعتين يستمع للآراء بين نعم ولا استوقفه صوت عسكرى الجيش "حضرتك فى لجنه أية؟".
"طيب وأنا أعرف لجنتى منين يا فندم" يرد أحمد على أبو الوفا الشاب السوهاجى الذى جاء للقاهرة منذ خمسة أعوام على عسكرى الجيش الذى يرد عليه بدوره، قائلا: فى سهولة "هتبعت رسالة لرقم 5151" فى استغراب يتساءل أحمد مرة أخرى "رسالة إيه حضرتك؟" ليجاوبه العسكرى فى ملل "رسالة موبايل هتكون رسالة إيه" ليتغير وجه الشاب قبل أن يقرر الرحيل قائلا "طيب أنت مستغرب ليه.. هو هنا برضو.. اللى معهوش ما يلزموش؟".
أحمد الذى لا يستطيع العودة لزوجته، التى عقد قرانه عليها بسوهاج منذ خمسة أعوام وهو يتخيل أن نزوله للمحروسة سيفتح أمامه أبواب الأمل، كما يصف نفسه مثل السواد الأعظم من أهل هذه البلد فى القرى الفقيرة التى لا ينظر لها أحد، حمل هاتف محمول بالنسبة له هو درجة كبيرة من الرفاهية بعد أن يجد الطعام أو المسكن الذى لا يملك أيا منهم، وكان حتى وهو فى طريقة إلى الاستفتاء يعرف أن هذه البلد قد نسيتهم "أنا والله ما أعرف إيه اللى جابنى أنا عارف أن اللى زى منسيين من زمان وعارف أننا مش هناخد حاجة من البلد دية مهما حصل بس فجأة حسيت أن حاجة بتخلينى أجى".
"هو ليه مستغرب أن مش معايا موبايل.. معييش فلوس أجيبه" يقول أحمد فى كلمات متقطعة وهو يصف غضبة من العساكر والضباط وهو مازال يقف أمام أبواب اللجنة قبل أن تأتى له العديد من عروض المحيطين به، ليأتوا له بلجنته، فهو لم يكن الوحيد فى منطقة المرج الذى لا يملك هاتف، هو فقط كان واحد من المئات أغلبهم كانوا من كبار السن لم يمتلكوا هواتف محمولة للتعرف على مكان اللجنة، ولكن الشاب رفض هذه العروض لأن أيا منها لم يكن مجانى، على الرغم من أن ثمنه لم يكن أموال، فبعض الملتحين يقابلونه بدعوة للتصويت بنعم يرد عليهم بعض الشباب ليطالبه بالتصويت بلا، وهو يسأله عن بطاقته ليأتى له برقم لجنته، ويقول "أنا ما نزلتش فى انتخابات الرياسة بس شوفت كمبيوترات عند اللجان.. واضح بقى أن الموبايل هو الجديد.. لكن طالما هما مهتموش أنهم يوفروا لينا طريقة نجيب بيها أماكن اللجان يبقى ما يستهلوش إننا نشارك فى انتخابتهم".
الشاب الصعيدى كما يصف نفسه "كحت الأسفلت" طوال السنوات التى قضاها فى المحروسة عقب 23 عاما قضاهم فى سوهاج "شفت فيهم المر" بسبب حالة أهله المادية الضعيفة ولم يكن له يوما اهتمام بالسياسة أو ما يحدث فى البلد "أحنا أتبهدلنا فى عهد مبارك ودلوقتى وفى اللى جاى كمان ما فيش حاجة هتتغير" ولكنه على الرغم من ذلك قرر أن يعطى بعض الاقتراحات للمسئولين عن تنظيم الانتخابات إذا كانوا يريدون مشاركة أشخاص مثله فى الانتخابات القادمة وهو ما يشك فيه، ولكنه يقول "على الأقل لازم فى كل قسم يكون فى ورقة بأسماء التابعين ليه وأماكن انتخابهم، وقدام كل مجموعة مدرسة لجنة مسئولة عن إحضار أرقام اللجان.. مش الإخوان كانوا بيعملوا كده قبل الرئاسة؟"
اللى معوهش ما يلزموش..
أحمد بعد 28 سنة "يأس" قرر يشارك فى الاستفتاء بس بدون موبايل مفيش لجنة
الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012 04:38 ص
أحمد على أبو الوفا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة