د. رضا عبد السلام

عقلى يقول "لا" وقلبى يقول "نعم"!

الجمعة، 14 ديسمبر 2012 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا هو حالى الآن، وربما حال الملايين من أبناء مصر الذين ضاعوا وسط ركام نخبة فاشلة، قادتنا وقادت مصر نحو المجهول.. فقد سألت أكثر من شخص خلال الأيام الماضية عن موقفه من الدستور، فلم أرَ سوى التردد ما بين نعم ولا، ليس لشىء ولكن لفشل من قفزوا على إرادة الشعب وتداعوا على مصر حتى أوصلونا إلى هذه الحالة غير المسبوقة من الانقسام.

دعنى عزيزى القارئ أن أعرض عليك الحجج التى يسوقها قلبى فى التصويت بـ"نعم" على أن أعرض فى نقطة تالية للحجج التى يسوقها عقلى للتصويت بـ"لا" وذلك على النحو التالى:

أولاً: حجج قلبى الذى يدفعنى لأن أصوت بـ"نعم": فى الحقيقة يميل قلبى للتصويت بنعم لاعتبارين:

1ـ أننى كاقتصادى مجتهد، أرى اقتصاد بلادى يتهاوى، فقد دخلت احتياطات النقد الأجنبى مرحلة الخطر الذى ينذر بكارثة وشيكة، تركت آثارها هذه الأيام على سعر صرف الجنيه الذى بدأ فى التهاوى. كما أن عجلة الإنتاج شبه متوقفة، فضلاً عن أن السياحة فى أسوأ حالاتها، ولا يختلف حال تحويلات المصريين فى الخارج بعد أن أغلقت بعض الدول أبوابها فى وجوه المصريين الذين أرادوا الحياة بكرامة. فإذا كان هذا هو حال اقتصادنا بعد عامين من الثورة، فهل سيتحمل هذا الاقتصاد المتهاوى البدء من جديد من نقطة الصفر؟!

2ـ أننى لا أثق مطلقاً فى أى من اللاعبين على الساحة، سواءً فى التيار الليبرالى أو التيار الدينى، فكل منهما متطرف فى موقفه، ولهذا ما الذى يضمن لى "لو قمت بالتصويت بلا أن يتمكن هؤلاء الفرقاء من الاتفاق على دستور موحد"؟! فكل منهما متشدد فى موقفه ومعاند للآخر ويعتقد أن لديه الحقيقة المطلقة. وبالتالى فإن شعورى هو كالتالى "لو صوتنا بلا، وفشل الاستفتاء، لن ترى مصر دستوراً إلا بعد سنوات، كما أنها لن ترى جمعية تأسيسية مستقرة، فى ظل الطعون المستمرة من هذا الطرف أو ذاك!! لهذا فإن قلبى أكثر ميلاً للتصويت بنعم، خاصة وأن الباب الخامس من الدستور تضمن نصاً واضحاً، يتيح لكل من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب مناقشة مواد معينة من مواد الدستور وطرحها للاستفتاء عليها من جديد، فما المشكلة إذاً.

ثانياً: الحجج التى يسوقها عقلى، الذى يدفعنى لأن أصوت بـ"لا": وهذه الحجج هى كالتالى:

1ـ أننا تعلمنا فى كلية الحقوق، وفى مبادئ الشريعة الإسلامية، أن ما بنى على باطل فهو باطل، وأن أى إجراء لاحق على البطلان لا يصححه. وبالتالى فإن الرحلة من بدايتها كانت خاطئة، عندما بدأنا بالانتخابات أولاً قبل الدستور، فتوالت الأخطاء. ولهذا فإن المنطق القانونى البحت يحتم على عقلى الرفض لنبدأ من جديد على نظافة كما يقولون.

2ـ أن الدستور وإن تضمن مواد جديدة طيبة، فإنه ليس فى مستوى الدستور الذى حلمنا بولادته من رحم ثورتنا العظيمة. فقد تعلمنا أن هناك آليات معينة لتشكيل الجمعيات التأسيسية للدساتير، لم تكن من بينها الآلية التى قمنا بتطبيقها فى مصر.

3- الأمر الآخر هو أن الدستور، الذى يفترض فيه أنه يتضمن مبادئ عامة، بحيث يترك التفصيل للتشريعات التى يصدرها البرلمان، تضمن حشراً لنصوص ما كان ينبغى أن يتضمنها الدستور. أضف إلى ما سبق أننا كنا نتمنى ألا يتضمن الدستور إشارة لمجلس الشورى لأن هذه رفاهية سياسية لا يتحملها اقتصاد مصر المتهاوى، خاصة وأن مشروع الدستور الموجود بين أيدينا يتضمن إنشاء مجالس (كالمجلس الاقتصادى والاجتماعى) تغنى عن مجلس الشورى على الأقل فى السنوات القليلة القادمة حتى تقف مصر على أقدامها. يضاف إلى ذلك مسألة النظام المختلط حتى لا نخلق فرعوناً جديداً إلى آخر تلك المواد.

مؤكداً أننى ينبغى على أن أحسم أمرى وأتخذ القرار المناسب خلال الساعات القادمة. ولكن وبما أننى إنسان عاطفى أكثر من اللازم، فأعتقد أننى سأغلب القلب على العقل، ليس دعماً لوجهة نظر هذا التيار أو ذاك - لأننى ببساطة فقدت الثقة فى الجميع للاعتبارات التى عرضت لها فى مقالات سابقة – ولكن لأننى أدرك تماماً واقع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، وحالة التردى التى وصلنا إليها على الأصعدة كافة، كما أننى لا أضمن تمكن الفرقاء (ليبراليين وإسلاميين) من الاتفاق على رأى جامع فى المستقبل المنظور. فأنا ممن يؤمنون بقاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك كله".

وعليه، أرى أن من الأصوب أن نركز جميعاً جهودنا فى الأيام القادمة على توعية الناس لانتخاب مجلس شعب (نواب) حقيقى، يمكننا من خلاله إصلاح ما اعوج خلال الأشهر الماضية، ورقابة الحكومة وحتى محاسبة رئيس الجمهورية، بل وتعديل المواد المختلف عليها فى الدستور. وفى النهاية هى وجهة نظر قد يوافقنى البعض فيها وقد يخالفنى البعض الآخر، وهذه هى الديمقراطية. والله أعلم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة