قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، السبت، فى بيان لها ، إن المسودة النهائية للدستور التى وافقت عليها الجمعية التأسيسية المصرية المكونة، توفر بعض الحماية للحقوق، إلا أنها تقوض حقوق جوهرية تماماً.
وأضافت المنظمة، تنص المسودة، التى تمت الموافقة عليها فى غمار أزمة سياسية بين الرئيس والقضاء، على تدابير حماية أساسية ضد الاحتجاز التعسفى، والتعذيب وعلى بعض الحقوق الاقتصادية، غير إنها لم تضع حداً للمحاكمات العسكرية للمدنيين أو تحمى حرية التعبير أو حرية العقيدة، كما اتسمت عملية صياغة الدستور بالخلافات الحادة، واستقال عدد من أعضاء الجمعية احتجاجاً على ما وصفوه بإخفاق الفصائل الإسلامية المهيمنة فى التوصل إلى حلول وسط بشأن القضايا المحورية.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومان رايتس ووتش: "إن قرار قادة الجمعية التأسيسية باستعجال التصويت على مسودة معيبة ومتناقضة ليس بالطريقة الصحيحة لضمان الحقوق الأساسية أو تعزيز احترام سيادة القانون.
ومن شأن استعجال المسودة، على الرغم من الإخفاق فى معالجة المخاوف العميقة بشأن حماية بعض الحقوق الأساسية، أن يؤدى إلى مشاكل هائلة فى المستقبل، لن يسهل حلها".
وتنص المادة 60 من إعلان 30 مارس الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى الحاكم [فى ذلك الوقت] على تنظيم استفتاء على الدستور بعد 15 يوماً من موافقة الجمعية التأسيسية على مسودته. أضرب القضاة فى العديد من دوائر المحاكم فى أرجاء البلاد احتجاجاً على إعلان الرئيس مرسى الدستورى، ولم يتضح ما إذا كانوا سيوافقون على الإشراف على الاستفتاء، كما يشترط القانون.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إنه قد تم إدخال بعض التحسينات على المسودة النهائية، مثل حظر التعذيب، وحذف نصوص أخرى لا تتفق مع قانون حقوق الإنسان وكان من شأنها تقييد حرية التعبير أو ممارسة الشعائر الدينية.
وقامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة الباب الثانى من المسودة النهائية، بعنوان الحقوق والحريات، كما تابعت الجلسة المتلفزة التى صوتت الجمعية التأسيسية فيها على كل مادة من المواد، ينص باب الحريات على تدابير حماية قوية ضد الاحتجاز التعسفى فى المادة 35 والتعذيب والمعاملة الإنسانية فى المادة 36، وحرية التنقل فى المادة 42، وسرية المراسلات فى المادة 38، وحرية التجمع فى المادة 50، وتكوين الجمعيات فى المادة 51، لكن المسودة الأخيرة، على عكس سابقتها، امتثلت لاعتراضات القيادة العسكرية للبلاد وأزالت الحظر الواضح لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
وتشمل أهم المخاوف ما يلى:
حماية الحقوق
تنص المادة 81 على أنه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها المبين فى الدستور، إلا أنها تمضى لتقول إنه "تُمارس هذه الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور". وتشمل نصوص ذلك الباب المادة 10، التى يرد فيها "تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية"، والمادة 11 التى ورد فيها "ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام". تتميز هاتان المادتان، كما قالت هيومن رايتس ووتش، بلغة فضفاضة، مفتوحة للتأويل، ومتاحة لتبرير تقييد الحقوق الأساسية على نطاق واسع. كما يبدو أنها تضع "الطابع الأصيل للأسرة" والآداب والنظام العام، فوق الحقوق الأساسية.
حرية التعبير
تحمى المادة 45 حرية التعبير دون أن تنص على القيود المشروعة المسموح بها، ولا على كيفية موازنة هذا الحق مع المادة 31، التى تقرر أنه "لا يجوز بحال إهانة أى إنسان أو ازدراؤه"، والمادة 44 التى تحظر "الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة". لا تمثل المادتان 31 و44 قيوداً مشروعة على حرية التعبير بموجب قانون حقوق الإنسان الدولى، ومن شأنهما إضفاء الصعوبة، أن لم نقل الاستحالة، على أى إصلاح جدى لأحكام قانون العقوبات القائم التى تجرم "الإهانة" والتشهير، وهى الأحكام التى كثيراً ما استُخدمت فى الماضى لملاحقة منتقدى الحكومة. تزايدت الدعاوى القضائية بتهمة "إهانة الرئيس" أو "إهانة القضاء" منذ تولى الرئيس مرسى لمهام منصبه.
حرية العقيدة
المادة 43 الخاصة بحرية العقيدة، تقصر الحق فى ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة على المسلمين والمسيحيين واليهود. كانت المسودات الأسبق تنص على الحق العام فى ممارسة الشعائر الدينية لكنها تقصر إقامة دور العبادة على أتباع الديانات السماوية الثلاث. تميز المادة 43 ضد أتباع الديانات الأخرى وتستبعدهم، بمن فيهم المصريين البهائيين. فى ظل الرئيس السابق حسنى مبارك، كثيراً ما كانت قوات الأمن تعتقل أفراداً من الأقليات الدينية مثل الشيعة والأحمدية والبهائيين والقرآنيين، بسبب معتقداتهم.
المحاكمات العسكرية للمدنيين
تخفق المسودة النهائية فى وضع حد لمحاكمة المدنيين عسكرياً، وتتراجع عن الصياغة الخاصة بباب الحقوق فى مسودة ترجع إلى 11 نوفمبر لا أكثر، والتى تنص المادة 75 منها على أنه "لا يجوز محاكمة مدنى أمام نظام العدالة العسكرية". حذف أعضاء الجمعية هذه الصياغة بعد اعتراض رسمى من مسؤولى القضاء العسكرى. وتنص المادة 198 من المسودة النهائية الآن على أنه "لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم"، مما يترك سلطة العسكريين التقديرية لمحاكمة المدنيين بموجب قانون الأحكام العسكرية، دون مساس.
حقوق المرأة
من التطورات الإيجابية أن المسودة النهائية تخلت عن المادة التى كانت المادة 68 فى مسودات سابقة، وكانت تنص على إخضاع حق المرأة فى المساواة للتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو النص الذى طالب به بقوة أعضاء الجمعية من السلفيين. ومع ذلك فإن المسودة لم تعد تدرج "النوع" ضمن مسوغات حظر التمييز، حيث أنها لا تذكر أية مسوغات. تنص المادة 30 الآن على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك" دون أن تحدد الفئات التى يغطيها هذا النص. عند قراءة هذه المادة مع المادة 10، يصبح الإخفاق فى الإشارة المحددة إلى التمييز على أساس النوع إشكالياً، كما قالت هيومن رايتس ووتش. تقرر المادة 10 أنه:
تكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.
وضع الالتزامات الدولية
تنص المادة 145 على أن الرئيس يبرم المعاهدات، ويُصدق عليها بعد موافقة مجلسى الشعب والشورى، ثم: "لا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور". كانت هيومن رايتس ووتش قد دعت أعضاء الجمعية التأسيسية إلى إدراج نص يدمج حقوق الإنسان كما تعرفها المعاهدات الدولية التى صدقت عليها مصر، يدمجها مباشرة فى القانون المصرى، وهذا لتدعيم الأساس اللازم لتعديل الكثير من القوانين المحلية المقيدة للحقوق. فى يناير نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراً يدعو البرلمان إلى تعديل الكثير من القوانين القمعية، قائلة أن إصلاح هذه القوانين يجب أن يكون أولوية تشريعية.
"رايتس ووتش": المسودة النهائية للدستور المصرى تقوض حقوق جوهرية
السبت، 01 ديسمبر 2012 12:57 م
تأسيسية الدستور
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة