د. رضا عبد السلام

القرارات الرئاسية.. ما لها وما عليها!!

الجمعة، 23 نوفمبر 2012 08:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فوجئ المصريون ومعهم العالم أجمع بالإعلان الدستورى والقرارات بالقوانين التى أصدرها الرئيس محمد مرسى، وذلك عقب بدء سريان هدنة وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية! وحتى نكون منصفين، علينا ألا ننحاز إلى هذا التيار أو ذاك، كما أن علينا ألا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، وأن نزن تلك القرارات فى ضوء الأحداث الجارية والخطيرة التى تشهدها مصر، لا أن نحاكمها (القرارات) وكأنها صدرت فى جزيرة معزولة، أو فى عالم افتراضى! هل أنا مخطئ فى هذا؟!.

دعونا نؤكد بداية على عدد من الحقائق، يدركها حالياً القاصى والداني، وعلى رأسها:
• أن نسبة كبيرة من المواطنين- ممن كانوا مع الثورة والثوار فقدوا إيمانهم بالثورة وبالثوار، وبدءوا يتحسرون على أيام مبارك، سواءً بسبب ممارسات التيارات الدينية أو المدنية، أو بالطبع بسبب مهاميز رجال مبارك، الذين يعيثون فى الأرض فساداً وتخريباً، ولهذا عكفنا خلال الأسابيع الماضية على تلقى أخبار سيئة ومحبطة، ما بين حوادث قطارات أو طرق أو انهيارات أو بلطجة.. إلخ.
• على صعيد آخر، خرج الثوار من المولد بلا حمص، وأهدرت دماء الثوار بسبب إخفاء الشرطة لأدلة الاتهام أو طمسها، واستمرار القضاء والنيابة العامة فى نظر قضايا ميتة أو لا رجاء فيها، مع علمهم الكامل بأنهم يحرثون فى الماء!! فضلاً عن مرور الأيام والشهور دون تحقيق أى إنجاز على أى صعيد، سواء على صعيد استعادة الثروات المنهوبة أو محاكمة قتلة الثوار أو تحجيم الفاسدين فى مختلف مؤسسات الدولة، وخاصة من رموز النظام البائد.
• الأمر الآخر هو أن القوى السياسية المختلفة، وبعد أن تشاجرت فى البداية بشأن آلية تشكيل الجمعية التأسيسية، ما لبثت أن واصلت الرحلة وجلست لشهور وخلصت إلى مسودة شبه نهائية للدستور الجديد. نعم.. هناك خلاف بين التيارات الدينية والمدنية بشأن عدد من المواد، ولكن مواد الاتفاق أكثر وأغلب، فاجأت التيارات الليبرالية الشارع المصرى بإعلانها الانسحاب من التأسيسية فى آخر لحظة، لهدم المعبد على رؤوس الجميع، لنبدأ مرة أخرى من الصفر!! مع أنه لو كانت النوايا خالصة، وكانت مصر هى الهدف، لأصروا جميعاً على البقاء، ولواصلوا جهودهم من أجل الوصول إلى صيغ توافقية، مهما كلفهم هذا من ثمن، وذلك من أجل مصر.
• وحتى لو كانت هناك مواد لا تحظى برضاء كامل، فهذه يمكن أن يجرى تعديلها لاحقًا، ولكن أن تخرج علينا التيارات المدنية، بعد أن أعلنت موافقتها وقبولها لما بذل من جهد فى المشروع، وتقلب الطاولة على رأس مصر، فهذا يعكس أنانية مفرطة واندفاعا وتهورا لم يراع مصلحة مصر، التى تتلمس، الاستقرار ليعود لها الأمن ولتعود عجلة الإنتاج والاستثمارات.
إذاً، على كل محلل منصف وعاقل أن يزن قرارات رئيس الجمهورية فى ضوء الملابسات والأحداث والتطورات المشار إليها أعلاه.

ما أكتبه فى هذا المقال ليس دفاعاً عن رئيس الجمهورية أو عن تيار بعينه، فأنا لم أمالئ أو أهادن نظام مبارك رغم كثرة وبريق المغانم آنذاك، فأنى لى أن أمالئ نظاما ولد من رحم ثورة على الفساد؟! فقد كانت مصر وستظل نصب عينى وهدفى الأسمى، دون نظر إلى هذا التيار أو ذاك. وعليه أرى الآتى:
• أن قانون حماية مكتسبات الثورة أتى متأخراً، وكنا جميعاً ننتظره منذ أن تولى مرسى الرئاسة.
• وبالنسبة للقرار الخاص بإعادة محاكمة قتلة الثوار فهو الآخر طال انتظاره وأثلج صدور ملايين الشرفاء على أرض مصر.. فمن يعترض على هذا إلا أبناء مبارك ومن لم ينالهم شر نظامه! فطالما أن هناك قتلى فلا بد أن هناك مجرمين، لذا فإن إعادة المحاكمة على أسس ثورية باتت واجبة ليدفع الثمن كل من أجرم فى حق مصر وشعبها.
• كما أن القرار الخاص بحماية ورعاية ضحايا ثورة 25 يناير لا يمكن لأحد أن يعارضه لأن فيه اعتراف بجميل كل من ضحى من أجل تحرير مصر من نظام مبارك.
• نأتى للقرار الخاص بإقالة النائب العام، والذى أثار استياء الكثيرين ممن يسمون بالنخبة، ولا أدرى من انتخبهم ليكونوا نخبة! ما علينا.. يا سادة.. رئيس الجمهورية هو السلطة الوحيدة فى مصر حاليا التى أتت بإرادة شعبية حرة، لذا، وفى ظل هذه الظروف التاريخية التى تمر بها مصر، هو الوحيد المخول باتخاذ ما يراه من قرارات للمصلحة العامة. سيبادر المتاجرون بمشاعر البسطاء بالحديث عن الديكتاتورية، وأننا بصدد صناعة ديكتاتور جديد.
• الحق، أن مصر خلال هذه الأيام المريرة والحاسمة بحاجة إلى ديكتاتور عادل، لا يمكن أن تستقيم الأمور إلا بشىء من الديكتاتورية، ولكن فى الحق، طالما كانت المصلحة العامة هى الهدف، فقد كانت مصر بحاجة إلى قرارات صعبة كثيرة، وما أصدره الرئيس هو غيض من فيض ننتظره.
• أما القرار الخاص بتحصين التأسيسية من الحل، والذى اعتبره البعض انقضاضا على السلطة القضائية، فمقصده فى اعتقادى المتواضع، وفى ضوء القراءة المتأنية للأحداث، ضمان الاستقرار لهذا الكيان، حتى يمكن لدستور مصر أن يرى النور، فلو تُرِك الأمر لكل من هب ودب لأن يطعن على أى جمعية تأسيسية، فلا يمكن لمصر أن ترى دستوراً!! وهناك تجارب دولية كثيرة عايشت هذه المشكلة، حيث عكفت الجمعيات التأسيسية لأكثر من ست سنوات (فى كينيا مثلاً) لوضع دستور، ليس لشىء ولكن بسبب الطعون التى تقود إلى الحل المستمر.. إلخ.
• إلا أن أهم ما يؤخذ على تلك القرارات أنها تضمنت تحصين قرارات الرئيس من أى شكل من أشكال الطعن، وهذا خطأ فادح وقع فيه مستشارو الرئيس وأوقعوا البلاد فيه. فالرئيس بشر لا إله، فالأنبياء فقط هم المعصومون وحتى ومن الأنبياء من قال (لئن لم تصرف عنى كيدهن أصبو إليهن....إن النفس لأمارة بالسوء)، كما أن رسول الله ابتعد كثيراً عن الحديث فى أمور الدنيا، وعاد فيها إلى الناس لم يدعى لنفسه العصمة فيها، فأنى لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات ولا تخضع لأى شكل من أشكال الطعن؟! مؤكدا أن لدى مؤسسة الرئاسة مخاوف ندركها جميعاً بسبب ما صدر عن مؤسسة القضاء من أحكام خلال الأشهر الماضية، وأن القضاء بوضعه الراهن سيشكل عقبه أمام طموح الرئيس فى إنجاز رسالته، ولكن ليس هكذا يكون الحل.
• فيمكن إخضاع قرارات الرئيس وقوانينه لرقابة ومراجعة مجلس الشعب عقب تشكيله أو أن تتشكل هيئة قضائية مستقلة يكون من اختصاصها النظر فى الطعون على قرارات رئيس الجمهورية. نعم.. ندرك العداء الصريح لبعض القضاة من الذين يتصيدون الأخطاء ويجاهرون بعدائهم للرئاسة ولما يصدر عنها من قرارات، ولكن التحصين ليس هو الحل وإنما هو خطأ فادح ينبغى العدول عنه سريعاً وإلا فإن الثورة تعود إلى الخلف.

مؤكد أننى - شأنى شأن أى مصرى شريف - ذقت مرارة الديكتاتورية فى العهد البائد، ولا أتمنى لمصر أن تلد أو تصنع ديكتاتوراً جديداً، ولكنى أعتقد أن علينا أن نزن تلك القرارات فى ضوء ما تعيشه مصر من أحداث جسام، والصعود اللافت لأصحاب الثورة المضادة، وحالة التوهان التى وصلت إليها النخبة السياسية، والتى ستقودنا إلى العودة إلى نقطة الصفر. فمصر- سياسياً واقتصادياً واجتماعياً- لا يمكن أن تتحمل البدء من الصفر.

المشكلة يا سادة ليست فى الرئيس الذى اتخذ هذه القرارات الثورية، إنما تكمن المشكلة فيمن يمارسون مهنة صناعة الديكتاتور، سواء فى مؤسسة الرئاسة أو من سيتاجرون بتلك القرارات من أجل مكاسب سياسية أو انتخابية، وأقصد هناك التيارات الدينية تحديداً وخاصة التواقين للسلطة، التى خرجت إلى الشوارع حاملة صور فخامة الرئيس والرايات وغيرها، ليذكروننا بماضٍ بغيض!! هل تتذكرون زفة مبارك؟! فلا يمكن أن ترى أشخاصاً يحملون صور الرئيس أو يهللون له - سواء بمناسبة أو بدون مناسبة، إلا فى الدول المتخلفة أو الغارقة فى الجهل. فهؤلاء حقاً يمكن أن يساهموا بأنانيتهم فى صناعة ديكتاتور وهذا ما ينبغى أن نقف له بالمرصاد وأشد على يد الثوار لمنع حدوثه.

إذاً، جميعنا ندرك الأخطاء منذ البداية، وكنت أنا شخصياً من بين من كتبوا العديد من المقالات الناقدة لتلك الأخطاء، ولكن أما وأن قبلنا مواصلة اللعبة السياسية بوضعها القائم فعلينا أن نواصل الرحلة بحلوها ومرها من أجل مصر.. وأكرر من أجل مصر، وما لا يدرك كله لا يترك كله، أيضاً من أجل مصر لا من أجل عيون هذا التيار أو ذاك، وبالطبع ليس من أجل صناعة ديكتاتور جديد.

مؤكد إن العدول عن تحصين قرارات الرئيس ضد الطعن سيشكل خطوة تريح الشارع المصرى وتطمئنه بأننا لسنا بصدد ولادة ديكتاتور جديد، وليطمئن الجميع.. فشعب مصر الذى استطاع خلع أحد أكبر الأنظمة البوليسية فى العالم من الأهون عليه خلع أى نظام آخر أياً كانت هويته، والله أعلى وأعلم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة