حاملاً ميداليته الذهبية التى حصل عليها لتوه، وقف وسط زملائه لاستعادة سنوات مضت، عاد بذاكرته لليوم الذى اقترب فيه بتردد من الشاب الغريب حامل الألوان، ينظر إليه بعينين يملأهما الفضول والحذر بعد أن عودته قوانين الشارع على عدم الثقة فى الغرباء، لم يكن "مصطفى" الشهير ب"تأ تأ" يعلم وقتها أن هذا اليوم هو نهاية سبعة سنوات قضاها فى الشارع دون مأوى، ولم يتخيل أثناء حديثه مع "حامل الألوان" يومها أن يحصل على المركز الأول فى رياضة "المصارعة" التى حلم بتعلمها مع كل ضربة وجهت إليه "من كل من هب ودب" أثناء نومه على الرصيف مع مجموعة من الأطفال فى أعمار مختلفة تحولوا فى أقل من عامين من أطفال شوارع إلى فريق رياضى محترف لرياضة المصارعة للناشئين فى الدورة التى دفعتهم إليها الجمعية المصرية لبناء المجتمع ورعاية أطفال بلا مأوى.
مصطفى أو "تأ تأ" البالغ من العمر 14 عاماً قضى أغلبهم متسكعاً فى الشوارع، لم يكن الحالة الوحيدة التى نجح فى اجتذابها شباب الفريق الميدانى للجمعية، بعد ترددهم على عدد كبير من المناطق التى قاموا بحصرها بعناية للقاء الأطفال فى الشوارع لتبدأ رحلة إقناعهم بترك الشارع والعودة لمنازلهم أو الدخول ضمن فريق رياضى فى كرة القدم أو المصارعة، الفكرة الجديدة بدأت فى اجتذاب الأطفال الذين رحبت بهم الجمعية على مدار عامين نجحت خلالهما فى تسجيلهم كأعضاء بنادى "الترسانة الرياضى" الذى نافس بهم فى مسابقة المصارعة بين الأندية للناشئين، وكان لأطفال الجمعية نصيب الأسد من الميداليات الفائزة.
"سماح حسين" مديرة الجمعية أو "مس سماح" كما يطلق عليها الأطفال الذين جلسوا حولها بعد انتهاء المسابقة، تحدثت لليوم السابع عن نشاط الجمعية فى رعاية أطفال الشوارع، وعن فكرة دمج الأطفال فى فرق رياضية لتشجيعهم على ترك الشارع والحياة بشكل أفضل، إلى جانب محاولات الجمعية لإعادة هؤلاء الأطفال لمنازلهم ومتابعتهم.
"هدفنا وضع هؤلاء الأطفال فى سياق مجتمعى طبيعى، وإعادتهم إلى منازلهم التى هرب معظمهم منها نتيجة لظروف لم يستطيعوا تحملها" تقول "حسين"، موضحة أهداف الجمعية، وتضيف: كثيراّ من هؤلاء الأطفال ترك المنزل نتيجة لضغط الوالدين أو تسريحهم للأطفال للعمل فى النشل أو التسول، أما فى حالة خطر الأسرة على الطفل فنحاول إدماجهم فى أسر بديلة أو رعايتهم فى مراكز الاستقبال بشكل مؤقت.
وعن تجربة الرياضة لتقويم أطفال الشوارع تقول: الفكرة أثبتت نجاحها بعد التجربة الأولى العام الماضى، عندما استطعنا إعادة حوالى 26 طفلا إلى الأسرة ومتابعتهم حتى اليوم، أما عن بعض الحالات الصعبة فنحاول إيجاد حلول لها.
وما لفتت النظر إليه هو غياب القوانين التى تسمح للجمعيات بممارسة عملها بحرية، وغياب مساعدة الدولة، وقالت: نحن بحاجة إلى قوانين مفعّلة لحماية حقوق طفل الشارع، إلى جانب التعاون والربط بين الجمعيات المختلفة التى تعمل فى مجال واحد من أجل مصلحة الأطفال.
"أنا رجعت البيت.. وبشتغل وأروح النادى.. أنا عايز أبقى حلو.. وأصحابى يبقوا حلوين زيى" ببساطة ممزوجة ببراءة واضحة عدد "تأ تأ" أحلامه فى الحياة باختصار، لم يعد يرى صورته القديمة متسكعاً فى الشوارع بعد أن حلت محلها صورته كبطل مصر فى المصارعة يوماً ما لم يعد بعيداً.
من الشارع إلى النجومية.. أطفال الشوارع فى بطولة المصارعة للناشئين
الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012 01:38 ص