بداية مع الاعتذار لسيدة الغناء أم كلثوم، وسوف أكون فى هذا المقال شاهدا على العصر أو كاتب ذكريات فليكن ما أكون، كنت مفتشاً بالجهاز المركزى للمحاسبات فى عام 1968 أى بعد مرور سنة على الهزيمة المنكرة فى عام 1967، والكل يعرف أن هذه الهزيمة كان لها من الآثار السلبية الجسيمة التى نجتر مرارتها حتى اليوم، وليس مقالى هذا مجالاً لذلك، فالمؤرخون أقدر على تاريخ هذه المرحلة وأنا بعيد عن هذا التاريخ وسأحكى عن أثر واحد فقط.
إذ بعد الهزيمة أصبح عبد الناصر خائفاً ممن حوله فقررت مؤسسة الرياسة فى هذا الوقت أن تبدل مواقع أهل الخبرة بأهل الثقة، حرصاً منهم على أوضاعهم، وما حدث فى عام 1968 كانت البداية انتخابات البرلمان أو مجلس الشعب لا أذكر الاسم على وجه التحديد، وجاءنى انتداب لرئاسة لجنة انتخابية بقرية تسمى البيضا تتبع محافظة الدقهلية، وذهبت إلى اللجنة فى التاريخ والوقت المحدد، والمفروض أن يجلس معى داخل اللجنة مندوبو المرشحين لمتابعة العملية الانتخابية وكان وقتها الاتحاد الاشتراكى هو بمثابة الحزب الأوحد فى الدولة ومن سوء حظى أن هذه القرية كان مرشحاً من أهلها من خارج الاتحاد الاشتراكى وكل أهل القرية ينتخبوه، وفوجئت بعد بداية الانتخابات بساعة أو أكثر دخل أحد الضباط وأمر بإخراج المندوبين ووجه إلىّ تعليمات ملخصها أن من يعرف القراءة والكتابة اتركه حسب رغبته، أما من لا يعرف القراءة والكتابة فلتؤشر على رمزى النخلة والجمل وهما مرشحا الاتحاد الاشتراكى وانصرف.
ولا أقول فخراً بأننى لم أطعه وتمت انتخابات لجنتى بما يرضى الله، ثم ذهبنا إلى مركز أبو غنام حيث الفرز المركزى، ولا أصف لك مدى المعاناة فى ليلة ليلاء قضيتها فى صندوق سيارة نقل، المهم عزيزى القارئ وصلت إلى لجنة الفرز منهكاً وفوجئت بصندوق مختلف ونجح كل من النخلة والجمل وزورت الانتخابات بشكل فج مخزٍ دون أى اعتراض أو حتى الإشارة إلى عدم نزاهة الانتخابات، وهو ما تكرر بعد ذلك كثيراً وكانت الفلسفة فى ذاك الوقت هى "دول رجالة الحكومة"، يعنى نجاح أهل الثقة وخسارة من دونهم، ثم توالت فى عهد عبد الناصر هذه الفلسفة فى شركات القطاع العام بإقالة رؤساء مجالس إدارات الشركات أهل الخبرة والإتيان برتب عسكرية مختلفة ليتولوا رئاسة المجالس من أهل الثقة، وانهار القطاع العام وحقق خسائر بدلاً من الأرباح.
ويسألنى سائل لماذا هذا السرد الآن، أجيبه لأننى وغيرى نلمح ونحن فى عام 2012 أن هذه السياسة تتكرر بعد مرور حوالى أكثر من أربعين سنة، حيث الأخونة الحادثة الآن هى الإتيان بأهل الثقة وإزاحة أهل الخبرة وهو نفس الأسلوب الخاطئ المضر.
وأتوجه إلى السيد رئيس الجمهورية بأن يعيد النظر جدياً فى اختيار الحكومة رئيساً ووزراء، وكذلك مساعديه الذين اختارهم وألا يكونوا من الإخوان المسلمين سواء منتمين إليهم تنظيمياً أو فكرياً، وليستعين بأهل الخبرة مهما كانت انتماءاتهم أو ملتهم حتى لا نكرر ما حدث فى عهد عبد الناصر وغيره من الرؤساء، فمصلحة مصر أهم من مصالح الأشخاص والآن حان الوقت والظروف مهيأة للتغيير، وإذ لم يحدث ذلك فهو الخراب بعينه، "واستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه".
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن السيد
نجاح
كل يوم تثرى البوابه بالجديد
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم
ان ياتي بغير الاخوان سواء منتمين اليه تنظيميا او فكريا
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور صلاح حسب الله
رؤية ثاقبة
أحييك على هذا المقال الموضوعى
عدد الردود 0
بواسطة:
زكريا على زين العابدين خليل
فلندأ بأنفسنا