أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد شومان

توتر الكلام والضجيج فى القاهرة

الأحد، 11 نوفمبر 2012 04:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلام الناس فى القاهرة مكون رئيسى من مكونات خطاب المجتمع، فهو وسيلة أساسية للتفاعل والصراع والتعاون، فضلا عن كونه علامة طبقية بامتياز، وبالتالى ممارسة سلطوية، ورغم التطور الهائل فى المواصلات والاتصال فإن اللهجات وأساليب وطرق الكلام وحركات الجسد وتعبيرات الوجه تختلف فى كل مدن العالم بحسب اختلاف التعليم والطبقة والعمر بين الأفراد، وبحسب مكان وأهداف الكلام، لكن كل هذه الممارسات والاختلافات الخطابية ذات مذاق ومغزى خاص وبالغ التناقض والطرافة فى المحروسة. بعض شرائح الطبقة المتوسطة والعليا فى المحروسة يميلون لتقسيم العبارات بطريقة معينة وبالضغط على حروف معينة لتبدو لهجتهم مميزة ومختلفة عن العامية السائدة فى القاهرة، والتى جرى تعميمها فى كل محافظات مصر عبر وسائل الإعلام، وبخاصة لغة الأغانى والإعلانات التجارية، بحيث أصبحت اللهجة القاهرية المعتمدة فى وسائل الإعلام القومية والخاصة هى لهجة أبناء المحروسة رغم وجود اختلافات طفيفة بين بعض المناطق والأحياء داخل القاهرة.

أما فى الأحياء الشعبية التقليدية فستجد أسلوبا فى النطق أو التواصل مختلفا عما يجرى فى الأحياء العشوائية التى تتسم بدرجة عالية من التزييف، فأغلب السكان ذوى أصول مباشرة وممتدة بالقرى والبلدات الريفية التى وفدوا إليها حديثا. هنا يحمل الكلام وأساليب التواصل كثيرا من مفردات ولهجات كلام الفلاحين فى الدلتا والصعيد.. وقد تستمع فى الحى الواحد إلى طيف واسع من المفردات واللهجات تعكس فى فوضى متعايشة كل التنوع فى لهجات وأساليب نطق المصريين فى الريف والبادية والصعيد والسواحل والنوبة.

إن استعمال مفردات ولهجة صعيدية أو ريفية هو إعلان عن هوية مستقلة وتأكيد على الاختلاف مع هؤلاء القاهريين، هى مدينتهم ونحن وافدون مقيمون حديثا فيها، وقد نعود، بل من المؤكد أننا سنعود لقرانا ومدننا الأكثر رحمة وإنسانية، حيث الأهل والذكريات.. وبالتالى يجب أن نتعامل مع بعضنا البعض كوافدين بأساليب مختلفة، ووفق عاداتنا وقيمنا التى حملناه إلى المحروسة.. كذلك يجب أن نتعامل مع القاهريين بطرق مختلفة. والمدهش أن هذا التمييز الهوياتى بين «هم» كقاهريين، و«نحن» كوافدين هو تمييز وهمى وزائف.

فى المقابل وفى المستويات الأعلى من التراتبية الاجتماعية لمجتمع المحروسة تجتهد بعض الشرائح والفئات ذات التعليم المهنى الرفيع فى خلق وتأكيد تميزها الهوياتى عبر الكلام باستخدام لغة أجنبية أو مفردات وتعبيرات أجنبية، كثيرا ما يجرى إقحامها بدون مبرر منطقى ضمن الجمل والتعبيرات العربية، وبعيدا عن طبقية الكلام والمفردات تبرز أهم سمات الكلام فى المحروسة ممثلة فى ارتفاع الصوت، فالغالبية العظمى من القاهريين ترفع أصواتها فى الحديث سواء كان فى المنزل أو محل العمل أو الشارع، كلام وأحاديث أقرب إلى الصراخ، مع استخدام مفرط أثناء الكلام لليدين وحركات الجسد وتعبيرات الوجه.

الضجيج يولد مزيدا من الضجيج، والتوتر فى أحاديث القاهريين، وأعتقد أن التوتر والعنف اللفظى قد انتشر بين المصريين وأصبح عنصرا أصيلا فى كثير من أحاديث سكان المحروسة. توتر وصراعات وممارسات للسلطة أو اذعان لها أو تعاون أو استعطاف.. كلها ممارسات تعكس تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لقطاعات عريضة من أبناء المحروسة. يتعلم القاهريون الصراخ ويدمنون الضجيج فى البيت والمدرسة وفى الأفراح والمآتم بل وفى الأغنيات، وبالتالى يمارسون الضجيج بكل سهولة ويسر، ويلعب الشباب دورا كبيرا فى إشاعة الضجيج والكلام بصوت مرتفع، لكن الشباب أضافوا إلى كلامهم ألفاظا وتعبيرات خاصة بهم، بعضها خليط من اللغة العربية والإنجليزية، ونحتوا مصطلحات تبدو غريبة ومستهنة من وجهة نظر الآباء.. لكنها- أى لغة- الشباب تظل صرخة رفض للقديم والسائد ومحاولة للتمايز الهوياتى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة