قالت مؤسسة "كارنيجى" الأمريكية للسلام الدولى إن الانتصار الذى حققه القضاة فى مرحلة ما بعد الثورة، والذى تمثل فى وصول عدد من قضاة الحركة الإصلاحية فى عهد مبارك إلى مناصب رفيعة فى الدولة الآن، قد يتحول إلى انتصار شخصى أكثر منه سياسى.
وأشار المركز فى تقرير كتبه خبير شئون مصر ناثان براون فى دورية "صدى" التى تصدرها المؤسسة الأمريكية، إلى أن القضاة وبعد شعورهم بأنهم استوفوا حقوقهم بعد سقوط مبارك، ربما سيتمكنون الآن من رؤية مطالبهم تتحول إلى قوانين، لكن تلك المطالب رُفعت فى وجه منظمومة سياسية تمر الآن بمرحلة تحول. وفى حين أن القضاة الإصلاحيين كانوا مجهزين لمحاربة مبارك فى السابق، فإنهم قد يجدوا أنفسهم الآن ليسوا على نفس درجة الاستعداد لمواجهة خصومهم حاليا الأكثر تعقيدا، على حد وصف التقرير.
وتوقع كارنيجى أن تشهد السنوات المقبلة معارك تدول حول مجموعة مختلفة من المسائل أو بالأحرى تكرار غير متوقع للمخاوف القديمة بشأن سلطة القضاء واستقلاليته. ورأى المركز الأمريكى أن الأزمة التى شهدها الأسبوع الماضى حول قرار تعيين النائب العام عبد المجيد محمود سفيرا فى الفاتيكان ليست سوى لمحة من التوترات التى لا تزال قائمة ومن المرجح أن تنشأ بين القضاء والسلطة التنفيذية فى مصر.
وتحدث التقرير عن جهود القضاة الإصلاحيين ومحاربتهم من أجل استقلال مؤسستهم عن السلطة التنفيذية منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى مبارك مرورا بالسادات، ثم قال إنه فى أعقاب ثورة 25 يناير أعاد كل من مجلس القضاء الأعلى ونادى القضاة إحياء الجهود القديمة لصياغة إطار قانونى شامل لتنظيم القضاء من أجل ضمان استقلاليته وتدوينها فى القوانين. وقد كان وزير العدل الحالى، أحمد مكى، فى طليعة المجهود الذى رعاه مجلس القضاء الأعلى فى بداية العام الماضى.
ولفت التقرير إلى أن الإصلاحيين فى القضاء يواجهون تحديات أكبر مما توقعوا على الأرجح؛ فالسلك القضائى ليس موحّداً خلف هذه الجهود. وقد أثارت معارك العقد الماضى بعض الضغائن الشخصية التى نشأت أحياناً بين الإصلاحيين وبين من رأوا فيهم مجرد أشخاص يحبون الاستعراض ويقحمون مسألة غير سياسية فى المعارضة السياسية.
كما أن بعض القضاة لا ينظرون إلى الإصلاحيين على أنهم منقذون بل خصوم ربما يميلون نحو الثأر.
ورصد تقرير كارنيجى الانقسامات بين القضاة منذ سقوط مبارك، وقال إن الانقسامات الأيديولوجية لتى كانت خفية خرجت قليلاً إلى العلن. وباتت الأوساط القضائية تُظهر مزيداً من التنوع. وكان هناك شكوكا على نطاق واسع بأن لدى بعض الإصلاحيين ميولاً إسلامية، لكن ذلك التوجّه أصبح الآن أكثر وضوحاً.
كما أن هناك انقسامات داخل المؤسّسات أيضاً، فبعض الهيئات القضائية تعتبر أنها منفصلة ليس عن السلطة التنفيذية فقط، بل أيضاً عن باقى السلك القضائى. ولا تريد هذه المجموعات خسارة استقلالها الذاتى حتى لو أعلن السلك القضائى بكامله أنه أصبح يتمتع باستقلالية أكبر، ومع سرعة تغير الظروف أصبح التنافر واضحاً أكثر فأكثر.
ويتابع التقرير أنه مما لاشك فيه أن عدداً قليلاً من المجتمعات الديمقراطية يمنح القضاء درجة الاستقلال التى يطمح إليها القضاة المصريون من حين إلى آخر. فبينما يسعى القضاة المصريون إلى الحصول على السيطرة الكاملة على التعيينات القضائية، بحيث يتحولون فى شكل أساسى إلى هيئة تجدد لنفسها باستمرار، تتيح معظم الأنظمة الديمقراطية تعدد الأصوات فى مثل هذه التعيينات.
وختم المركز الأمريكى تقريره قائلاً: إذا كان القضاء يجد أن بعض المفاهيم المختلفة بدأت تظهر حول دوره المناسب، فيمكن اعتبارها بأنها خلافات حول تحديد طبيعة دور القضاة فى مصر: فهل هم فى نهاية المطاف ضامنو المصالح الجماعية، أى الدولة والمجتمع والرفاه العام، أم الحقوق الفردية. فى الماضى، لم يكن هناك دائماً تمييز واضح بين الأمرين، خاصة وأن الممسكين بالسلطة السياسية كانوا يتحدون الدورين معاً.
وهذه الأسئلة لم يضطَر الإصلاحيون فى القضاء إلى إيجاد حلول لها عندما كانوا يعربون عن معارضتهم لممارسات النظام السابق؛ أما الآن، وبعدما أخذوا على عاتقهم مهمة إعادة صياغة السياسة المصرية، فسوف يُطلب منهم تقديم إجابات عليها.
كارنيجى: انتصار القضاة بعد الثورة قد يصبح أكثر منه سياسيا.. والمؤسسة القضائية كانت أكثر استعدادا لمواجهة مبارك عن خصومها الحاليين.. والسنوات المقبلة ستشهد معارك بين القضاء والسلطة التنفيذية
الخميس، 18 أكتوبر 2012 02:28 م