لا يفصله عن قلب القاهرة سوى مجموعة من المبانى العريقة، التى استقرت لعقود طويلة بطول شارع 26 يوليو، غير عابئة بالسنوات التى غيرت طبيعة الشارع، وسكان المنطقة التى تحولت إلى سوق "البالة" أو الملابس المستعملة، التى تراصت فى فرشات متلاصقة بطول الشارع الكبير المكتظ بالباعة الجائلين، يتعالى صراخهم على البضاعة ليلا ونهارا، بينما يجلس هو فى دكانه الصغير المنغمس وسط فرشات "البالة" لا يحمل لافتة تدل على ما يبعه هذا الرجل، وكل ما يظهر على الدكان هو علامات الزمن التى تدفعك للتساؤل عن عمر هذا المكان، أمام التليفزيون الأسود العتيق يجلس منفصلاً عمن بالخارج، تتناثر حوله بضائع غريبة الشكل تثير فى عقلك سؤال واحد "هو الراجل ده بيبيع إيه؟!".
"حبل غليظ، فرش حديدية بكل الأحجام، صقالات يدوية، حجّارات لكسر الطوب، معاول مختلفة الأشكال والأحجام، جرّافات يدوية، خراطيم مياه، مقصات الأشجار" وغيرها من المعدات العشوائية الغريبة، التى نادراً ما تتساءل عن أماكن بيعها، يحفظها جميعاً ويتقن رصها بعناية فى دكانه القديم المعروف "بوكالة البلح" على الرغم من خلو الدكان من لافتة تشير إلى اسمه، يكفى أن تسأل على دكان عم "محمد" ليدلك ألف شخص على الدكان الصغير المكتظ بأدوات المعمار أو لوازم البناء اليدوى، كما يطلق عليها صاحب "الصنعة"، ما يميز دكانه هو أنه "على قديمه" يحتفظ بالأدوات اليدوية القديمة التى لم تعد الحاجة إليها كالسابق مع ظهور الصقالات الآلية والأدوات الحديثة، التى يجلس بينها بصبر فى انتظار الزبون الذى لم يعد يتردد عليه مثل سنوات عمله الأولى، التى يتذكرها عم "محمد" مع والده وجده فى وكالة البلح الحقيقية، عندما كان لهذه المهنة قديماً "شنة ورنة" على حد قوله.
"أنا ببيع أدوات المعمار والدكان دا وارثه أباً عن جد" يقول "عم محمد" الذى تمسك بمهنته بالرغم من عدم رواج بضاعته كما سبق ويشرح قائلاً: هنا ببيع كل الأدوات اللى بيحتاجها البنا صحيح مبقتش مستخدمة زى الأول بس لسه ليها سوقها وخاصة فى مصر اللى لسه متمسكة بالقديم، وفى حاجات محدش يستغنى عنها زى الحبل والعروق الخشب والفاس وقصعة المونة.
"المهنة اتحولت تدريجياً لنظافة الطرق.. بس أنا هسيبها وأروح فين حتى ابنى هو اللى هيورث المحل ده..هو حد لاقى شغل فى الزمن ده" يصمت قليلاً ليجيب أحد الزبائن عن مكان إحدى الأدوات ثم يعود للحديث، قائلاً: كل عمارات زمان مبنية بالأدوات دى، عمارات وسط البلد الجميلة كان المهندسين الأجانب بياخدوا الحاجات دى من أبويا وجدى".
"زمان كانت المعدات دى بتتصنع فى مصر..دلوقتى الصينى مخلاش" يتحدث عم محمد عم البضاعة الصينى التى لم تترك مجالاً للمنافسة حتى فى أدواته البسيطة، التى لم يعرف غيرها عملاً طوال حياته، لم يتركها بالرغم من سوقها "الواقف" ولم يتنازل عن دكانه الصغير، الذى مرت عليه خطوات الزمن، ومازال هو جالساً به محتفظاً بصنعته البسيطة.
"قصعة المونة وخراطيم المياه" دكان عم محمد لسه على قديمه
الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012 03:44 ص
عم محمد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة