مجدى أحمد على

هل بدأ الكابوس؟!

الأربعاء، 04 يناير 2012 04:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت فى قريتى بالمنصورة لأداء واجب العزاء فتجسدت فى هذه الرحلة التى اعتدتها طوال العمر ملامح الكابوس القادم.. القرية التى كنت أهرب إليها ملتمسا السكينة والهدوء، بعيداً عن ضوضاء المدينة وصخبها وحصارها النفسى، أصبحت- للأسف- تجسيداً كاملاً للفوضى والعشوائية وفساد الأذواق.. ضوضاء لا تتوقف من سماعات تنطلق من قوافل انتخابية، ترد عليها مكبرات صوت مركبة على أربعة اتجاهات فى كل مئذنة تبدأ فى شق هدوء الليل قبل الفجر بساعة كاملة، متجاهلة راحة الناس وهدوء المرضى والأطفال، ثم تستمر إلى ما بعد صلاة الفجر فى إذاعة التواشيح حتى الصباح الذى تتسلمه مكبرات صوت أخرى للباعة الجائلين، ولإعلانات الأفراح والمآتم، ثم ضجيج «التوك توك» المطلق السراح، وتراكتورات الحرث الصينية الرخيصة الثمن، العالية الصوت، تحيل المشهد كله إلى مشهد عبثى، يجعلنا نفهم لماذا افتقد المصرى هدوءه التاريخى، وأصبح الانفعال والنزق والحمق سمة للشخصية الجديدة، وانعكس ذلك فى شكل الجريمة، ومستويات إتقان العمل، والإقبال على التجديد والابتكار.. هل يستوى شخص كان يتلقى الأذان من أعلى مئذنة وحيدة فى قريته ومن صوت مجرد بلا تشويه إلكترونى.. صوت إنسانى يبذل جهدا يعكس إيمانا صوفيا يغرى بالمحبة، ولا يبتز الناس بالجهورى من الصوت والقبيح منه.. هل يستوى شخص كهذا بشخص يجد نفسه محاصراً بكل هذه الفوضى؟ وهل ننتظر من مثله أى مساهمة خلاقة فى بناء مستقبل أفضل؟!
هل نجد حوله فى الأخبار السيّارة ملامح الكابوس؟!

عصابة للمنتقبات تستغل اللثام للسرقة والقتل، ولا عزاء لمن يقول «الفرق بين الحرية الشخصية ومصالح المجتمع المرسلة لابد أن يحددها القانون فى أى دولة محترمة».. هل تتصور مجتمعا من الملثمين تحت أى دعاوى دينية أو أخلاقية؟.. إذا كان اللثام حقا لمن يرتديه فماذا عن حقى فى أن أتعرف على من يسير بجانبى، أو فى السيارة المجاورة، وأن أقى نفسى شر لثامه الذى يمكن أن يخفى أى شىء، وليس فقط وجه الشخص وباقى أعضائه؟.. وماذا عن حق المريض فى أن يرى ممرضته، والطالب فى أن يرى مدرسته..

نحن بشر، ولسنا مجموعة من آلات الشبق المتوحش.. والرهان الأخلاقى يجب أن يكون مرهوناً بتنمية الإحساس الداخلى بالكرامة، ومحبة الناس تجسيد للإيمان الحق لخالقنا جميعاً.. دون ذلك لن يفيد تحول الجميع إلى خيم سوداء معزولة عن الدنيا، فاقدة الثقة فى نفسها وفى دورها الذى خلقها الله له.. «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، هل نستكمل الصورة؟!.. جماعات الأمر بالمعروف انطلقت مقلدة أسيادها فى المملكة المجاورة التى يحتكر فيها أفراد العائلة المقدسة شؤون الحكم والثروة.. لا ننخدع فى إنكار فصيل وصمت آخر، فهى خطة محكمة لجس النبض والتدريج لا تصل أبدا إلى قناعات أو تغيير فى المنهج أو فقه مصلحة.. فى الشرقية يتم إنزال الزوج من ميكروباص رأت الجماعة تخصيصه- عنوة - للنساء، ولما أبلغهم الزوج البائس بأن زوجته سوف تضل الطريق إن ركبت بمفردها أوسعوه ضربا وأنزلوها من سيارة العفة.. فى المدن الصغيرة رأيت بعينى لافتات لإغلاق المحال وقت الصلاة بإرغام أصحاب الحوانيت على العمل بها بسيف التهديد، أو المقاطعة، أو الحياء فى أفضل الأحوال.. فى مدينة رأس سدر محل واحد لبيع البيرة تم إغلاقه بالقوة وتهديد العاملين به بالسلاح، رغم أنه يحمل رخصة رسمية من الدولة كمتنفس للسائحين فى منطقة شاسعة.. غياب كامل للدولة وتسرب تدريجى إلى تفاصيل الحياة، تمهيداً ليوم التمكين حيث تكون الأرض ممهدة، ويكون الناس قد «تعودوا» وجودهم البغيض، وسائل الإعلام تمتلئ ببوادر المعركة القادمة.. السلفيون يشتمون الإخوان ويتهمونهم بالتفريط فى الدين، والجهاديون يتهمون السلفيين بالسذاجة والعمالة التاريخية لأجهزة الأمن، والجماعات تدعى الحكمة وأنها صاحبة النظريات والمراجعات.. والديمقراطية لعبة مبتذلة يستخدمها عبدالمنعم الشحات كما المرشد، وسائل للقفز والتمكين رغم الكراهية المعلنة كل يوم، ورغم ممارسات الكذب والتزوير التى لا تتوقف، ورغم مزايدات التطرف التى بدأت ولن تنتهى قبل سقوط الوطن فى وحل التخلف الأبدى.

هل تحول حلم الثوار إلى كابوس؟.. الحالمون بالحرية والكرامة الإنسانية، وبدنيا أفضل يسودها العدل والقانون، وبطريق واضح نحو التقدم فى عالم لا يعترف سوى بالعلم والأخذ بأسباب الرقى عبر قانون يسرى على الجميع، يقدر الآخر، ويثمن التعاون معه، والسير معه على درب السعادة وسمو الأرواح الذى هو مقصد كل الفسلفات، وكل الأديان، وكل النفوس السوية.. هل ننفض عن أنفسنا غبار الكوابيس ونستيقظ لكى نحقق الأحلام.. عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. كل ثورة وإحنا طيبين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة