شئنا أم أبينا، فإن أشخاص وأسماء عبدالناصر والسادات ومبارك ستظل عالقة فى أذهان المصريين ربما لمائة سنة قادمة أو يزيد، بين مؤيد ومعارض، وبين مُحب وكاره، وذلك لأنهم حكموا مصر وحكمونا فترات طويلة وسط أحداث جسام غيرت فينا المفاهيم والسلوكيات، وانتقلت بالمستويات الاجتماعية للمصريين صعوداً وهبوطاً درجات ودرجات، وكذلك كانت فترة حكمهم لمصر وسط ظروف حروب أقليمية ألقت نتائجها بظلاها على الوطن العربى أجمع الذى تقبع مصر فى منطقة القلب منه.
وقد انتقلت مصر خلال فترة حكم الثلاثة رؤساء لأكثر من نظام سياسى واقتصادى واجتماعى عانى فيه المصريون بين فقير وغنى وبين متعلم وجاهل أشد المعاناة، بغية تحقيق الأهداف الستة لثورة يوليو 52، ورغم أنها أهداف نبيلة وعظيمة، إلا أنها أهداف ثقيلة على القائم بتنفيذها، نظراً لما لاقته مصر ولاقاه ثلاثتهم من تغير فى البيئة الاجتماعية بين بسيطة ومركبة، وتغير فى أنظمة الحكم، ناهيك عن التغيرات الاستراتيجية التى لاقاها الوطن العربى ومصر جزء أساسى منه.
وعندما ننظر إلى أهداف ثورة يوليو الستة، وهى القضاء على الاستعمار، وعلى الإقطاع، وعلى سيطرة رأس المال، وإقامة جيش وطنى قوى، وحياة ديمقراطية سليمة، وعدالة اجتماعية، نجد أن عبدالناصر - برغم هالة الزعامة العربية التى ألبسناها إياه - لم يُحقق أحد منها إلا بمجرد التصريح أو التلميح، فلا نجحت التصريحات الرنانة، ولا نجحت التليمحات فى تحقيقها، فبعد أن قضت ثورة 52 على الاستعمار الانجليزى، أوجد عبدالناصر الاستعمار الإسرائيلى ولقى ربه "عز وجل" وإسرائيل تحتل مصر، وإن كانت ثورة 52 قضت على الإقطاع المالى، فقد أوجد عبدالناصر ما هوة أخطر منه، وهو مراكز القوى البوليسية فملأ السجون بالمعتقلين، واخترعت زبانية التعذيب فى سجون مصر!!
وحين تولى الحكم من بعده رجل اسمه أنور، انتقل عبء تحقيق الأهداف الستة إليه، وكان والحمد لله جديراً بها، فقضى ومعه كوكبة من خير أجناد الأرض على الاستعمار الإسرائيلى فى أكتوبر 73، ثم اعتقل مراكز القوى وهدم السجون وأفرج عن المعتقلين السياسيين، ثم بدأ فى محاولات حثيثة لتنفيذ الأهداف الأخرى الذى شكل كل منهم تحديا رهيبا أمام تنفيذه.
ورغم ذلك فقد بدأ السادات وأعقبه مبارك ونجحا خلال فترة حكمهما فى تنفيذ الهدف الأسمى، وهو إقامة جيش وطنى قوى (رقم 11 على جيوش العالم)، ثم فى القضاء على سيطرة رأس المال بشكل ملحوظ فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية!!
ومات السادات وجاء من بعده رجل اسمه مبارك حمل العبء الأكبر الذى تمثل فى تنفيذ الهدفين الأخيريين من أهداف ثورة 52، وهما إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفى ظنى واعتقادى أن مبارك بدأ بداية سليمة لإقامة حياة ديمقراطية سليمة، فأخرج المعتقلين السياسيين من معتقلات السادات (البرىء) !! وسمح بتكوين الأحزاب، وحرر الرأى، وأطلق حريتى التعبير والعقيدة، وأتاح الفرصة للإعلام المرئى والورقى بأن يقول ما يقول، وعدل القوانين والدستور وشطب منه كلمة استفتاء على الرئيس، وجعله يُنتخب من بين عدة مرشحين، وحارب الفساد وفق جهده ووفق قوانينه، وحقق الأمن، وأوجد أحزاب المعارضة ولكل حزب جريدته، ولم يبق تنفيذاً لإقامة حياة ديمقراطية سليمة إلا مجموعة ممارسات من السلطة الحاكمة ومن المحكومين كانت فقط تحتاج وقتا لتدشينها بشكل تنساب فيه الديمقراطية بشكل آمن ومُريح!!
إلا أن أحداث 25 يناير أبت الانتظار لتعميق التجربة، وطالبت بحماس الشباب بالتسرع فى تحقيق حياة ديمقراطية سليمة مؤقتين طلباتهم بكلمات من نوعية (الآن).. (دلوقتى).. (حالاً)، وكأن الأمر مُلخص فى تجهيز طبق بيض أومليت!!
وفى ظنى واعتقادى كذلك أن (نظام) مبارك كاد أن ينجح فى تحقيق الهدف الأخير من أهداف ثورة 52 المتعلق بالعدالة الاجتماعية – إلا قليلاً - وإن كانت البطاقة التموينية لا تكفى كشاهد على ذلك، فربما تكفى شهادة أسعار البنزين والطاقة، أو ربما يكفينا التنوع الذى حدث فى مصايف الفقراء، أو عدد السيارات الخاصة بين المواطنين أو التنوع فى شكل المواصلات العامة، أو ربما تكفينا مواد الدستور المتعلقة بالمساواة بين المواطنين دون النظر إلى دين أو لون أو جنس!!
أليس فى كل ذلك تحقيق لمبدأ العدالة الاجتماعية ؟!
إلا أن أحداث يناير أبت الانتظار كذلك لتعميق تجربة تحقيق العدالة الاجتماعية، وطالبت بحماس الشباب التسرع فى رحيل مبارك ونظامه (الآن).. (دلوقتى) .. (حالاً)!!
وذهب مبارك ونظامه، ومن قبله ذهب السادات، ومن قبلهما ذهب عبدالناصر، فمن ستأتى به الأيام إلينا ليُكمل مشوار ثورة 52 المجيدة والعظيمة دون غيرها؟!
فهى عظيمة ومجيدة بأهدافها، لا بالقائمين بها ولو كان عبدالناصر!!
فهل لنا من استكمال تنفيذ وتحقيق أهدافها؟!
سعيد سالم يكتب: عبدالناصر بين يوم ميلاده وأهداف ثورة 52
الأربعاء، 18 يناير 2012 08:11 م