اعتذارى أولاً عن العنوان الذى تمت صياغته باللهجة المصرية الدارجة، وهو عنوان فى حقيقة الأمر مثل مصرى صميم من الأمثال التى استوطنت الوعى الجمعى لدى المصريين، ومرجعيته أن القادر على جلب العفريت الذى يقفز ويجرى ويضحك ويلعب ويشاغب أيضاً هو الوحيد القادر أيضاً على صرفه ورحيله.
وهذا المثل قفز فجأة إلى رأسى حينما بدأت أتأمل موسم الهجوم على المجلس العسكرى وسياساته التى بدأت تغضب البعض وتلهب مشاعر العصيان المدنى لدى البعض الآخر.. وبدأت التيارات الإسلامية فى ممارسة سياساتها القديمة لمناهضة النظام أى نظام قائم، وهى سنة متبعة لدى بعض هذه التيارات، وسمة أصيلة فيها، وهذا الاعتراض على بقاء المجلس العسكرى فى تسيير وإدارة أمور البلاد كان سيظهر اليوم أو بعد قليل، لأن المستقرئ لتاريخ الحركات الدينية التى امتزجت بغبار ونثار السياسة يتيقن من عدم صبر هذه الحركات على حكم العسكر ولو كانت هناك صفقات سياسية متبادلة.
وأنا على وجه التحديد كنت متوقعاً أن ينتهى شهر العسل بين بعض التيارات التى تأمل أن تقفز سدة الحكم والسلطة فى مصر وبين المجلس العسكرى الذى لابد أن نوجه له التحية والشكر على إدارته للبلاد فى فترة عصيبة تمر بالبلاد بعد عملية قلب مفتوح محفوفة بالمخاطر والتحديات الداخلية التى تكاد تعصف بأمن واستقرار البلاد، وتطويره ونهضته، والتحديات الخارجية مثل ما يجرى على الشريط الحدودى بيننا وبين فلسطين(الكيان الصهيونى) وقضية مياه النيل والاضطرابات الحدودية الغربية والجنوبية.
وثمة فرق كبير وبعيد بين اعتراضات الأحزاب التى ظهرت علينا من كل فج عميق وسحيق والتيارات السياسية والدينية ذات الصبغة الدينية وبين اعتراضات المواطنين، وكلاهما يهدد بتصعيد الأمر إلى حد العصيان المدنى، وربما ستنبئنا الأيام المقبلة بأنواع جديدة وألوان عصرية للاعتصامات والعصيان.
وربما جاءت اعتراضات التيارات السياسية والدينية على وجه الخصوص على المجلس العسكرى فى التباطؤ لنقل السلطة إلى المدنيين وكأن العسكريين من دولة أخرى غير المحروسة بسبب حالات الفشل التى تراءت للقاصى والدانى من مطالب المواطنين من الحكومة الحالية الذى أصبح دورهاً باهتاً أكثر من اللازم.
وبات معظمهم يعلم غيب الإجابة عن سؤال الحالة: ماذا سيحدث لو أن الدولة لم تستجب لمطالب المتظاهرين والمعتصمين ومفترشى الميادين والأرصفة؟ لن يحدث شىء، نعم، وأنا شخصياً لو كنت مسئولاً عن الحكومة المصرية لما استجبت حتى لأصوات هؤلاء المتحزبين والمعتصمين بالميادين وأمام سلالم النقابات المختلفة.. لأننا باختصار شعب لا يعمل، وإن أدى عمله حقاً فإنه يظن أن يمن ويستكثر هذا على حكومته ودولته وأرضه التى تؤويه، وهذا أمر لا نجده فى معظم الدول الأوروبية المتقدمة، فالمظاهرات هناك نراها لأسباب بعيدة تمام البعد عن قضايانا التى نتظاهر من أجلها ونعتصم ونترك عملنا الذى هو فريضة فى الأصل.
كما أن تلك التيارات على يقين تام بأن جميع مطالب المعتصمين مالية نقدية غير أدبية أو معنوية لأننا باختصار شعب استهلاكى، لا يهمه مصير الحضارة التى يشارك فى بنائها أو يستنهض لإعلائها، المهم كيلو اللحم وكيس السكر فقط.
ولو فكرنا فى الأمر جلياً وبرؤية تحليلية لوجدنا أن معظم الهيئات والمصالح التى تعلن إضرابها واعتصامها هى مؤسسات وشركات ومصانع لا تعمل بالفعل، بل هى عالة على الاقتصاد المصرى، وليتنا فطنا منذ سنين إلى كيان كبير هو الصين، لكننا نعشق المشاهدة الصامتة دون مشاركة تذكر.
ولكن هل تنتظر القوى والتيارات السياسية فى مصر افتتاح مولد الانتخابات البرلمانية ومن بعده فرح العمدة أقصد الانتخابات الرئاسية حتى يتسنى لهم المشاركة فى بناء وإعمار هذا الوطن، وإذا كانت بعض القوى الدينية فى مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين طالما افتخرت بوجود كتائب مدربة من طلاب الشباب وواعية وقادرة على مواجهة أعمال الخروج على الشرعية فلماذا لم نجد لها دوراً ملحوظاً فى حفظ الأمن الذى غاب وسط حضور البلطجية، أما أن هذه القوة استعراضية فقط بالجامعات؟ أم أن لها دوراً آخر لا يعلمه إلا العالمون ببواطن الأمور؟
وبالرغم من الإشادة شبه المطلقة بالمجلس العسكرى الذى لاينام أعضاؤه تقريباً لأنهم فوق فوهة بركان، إلا أنهم يتحملون نتيجة هذه الاعتراضات التى تشن ضد سياساتهم لا أشخاصهم كما يفعل الموتورون الآن وهم يتناولون شهادة المشير طنطاوى أمام محكمة مبارك، فكان عليهم أن يضعوا ضوابط مقننة وصارمة لعملية ظهور وبزوغ هذه التيارات والأحزاب الكثيرة جدا جدا لدرجة أننى على تحدٍ مع المواطن البسيط أن يعدد لى عشرة أحزاب منها، فهذا الظهور الذى بدا شرعياً ومشروعاً للبعض بدا فرصة سانحة وخطيرة لتحقيق أهداف ومطالب خاصة للبعض الآخر.
ولأن الوطن الجميل الذى نحيا على أرضه يدخل مرحلة برلمانية جديدة مرتقبة، فإن هذا يتطلب مزيداً من العمل الدءوب بشأن تدوير الطاقات المنتجة، والعقول الأكثر إنتاجاً، وهذا لا ولن يتحقق إلا من خلال منطلقات ومرتكزات ثابتة نسبياً تشترك فى إطلاقها مجموعة من المؤسسات الرسمية والمدنية وبعض الفئات المنوطة بتطوير هذا الوطن ومنتسبيه.
لن يتحقق هذا من خلال أجندات خاصة ومصبوغة بألوان تمييزية قد لا تهم إلا فئة بعينها، وللمجلس العسكرى نصيحة لن أجعلها ثقيلة: إن كان من قدركم إدارة شئون البلاد فى وقت عصيب ومحموم، وتمكنتم من إتاحة حرية مطلقة لكافة التيارات والقوى السياسية والتى تدعى أنها سياسية فمن بينها من يعبث بمقدرات هذا الوطن، وبالرغم من ذاك العبث تحمونه على قدر الإمكانات، ونحميه قدر الاستطاعة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مدرس ثانوي تجاري بالمنيا
هل غيرت الثورة الشعب المصري
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحمن مشرف
تسلم ايدك
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
مقال أكثر من رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
ممدوح جعفر
لقد اصبت كبد الحقيقة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى جدا
لا فض فوك.......
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد سعد
كلام محترم
وياليت العفريت كان يعلم بنوايا من استحضره