د.أنور مغيث

هل تتعارض المبادئ الدستورية مع إرادة الشعب؟

السبت، 20 أغسطس 2011 09:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإرادة الشعبية مصطلح يستخدم كثيراً فى الجدال السياسى الدائر الآن فى مصر، ولكنه فى أحيان كثيرة يستخدم عكس معناه لأنه يقدم كمبرر للاستبداد. ولقد سُئل الرئيس السابق حسنى مبارك، لماذا لا تجرى تعديلاً دستورياً يحصر مدة الرئاسة فى فترتين؟ فقال إن هذا يعد قيداً على الإرادة الشعبية التى هى وحدها التى تقرر ما إذا كانت تريد للرئيس أن يستمر أم لا؟ وحينما اشتكى له الرئيس الروسى بوتين من أن الشعب يريده ولكن الدستور يمنع أن يتولى الحكم فترة ثالثة، أشار عليه مبارك، أستاذ الاستبداد، بأن يعدل الدستور ليتوافق مع إرادة الشعب.

توجد فى مصر الآن قوى سياسية تستخدم مفهوم الإرادة الشعبية بهذا المعنى لتعارض به المبادئ الدستورية التى تسعى لضمان الحريات الأساسية للمواطنين وضمان قواعد الحكم الديمقراطى، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، بل والأنكى من ذلك أنهم يتهمون أنصار المبادئ الدستورية بالديكتاتورية والالتفاف على الإرادة الشعبية التى عبرت عن نفسها فى استفتاء مارس الماضى. وهذا الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى، لحسن الحظ، لم يلتزم به الداعون إليه، لأنه كان يعنى العودة للدستور القديم، لم يتعرض لموضوع المبادئ الدستورية وبالتالى فإن طرحها لا علاقة له بقبول نتائج الاستفتاء من عدمه، من الممكن إذن احترام الترتيب الزمنى الذى تضمنه الاستفتاء مع وضع ضمانات دستورية دون أن يكون ذلك التفافاً على الإرادة الشعبية، خصوصاً وأن المعارضين لفكرة المبادئ لم يقدموا أى نقد أو رفض صريح لأى مبدأ من المبادئ المطروحة.

المعارضون للمبادئ الدستورية يقدمون للدفاع عن وجهة نظرهم حججاً تكشف عما يضمرون. فهم يقولون إنه لكى نكون ديمقراطيين حقاً علينا أن نترك الشعب ينتخب ممثليه ثم نترك الممثلين يضعون الدستور الذى يحبونه، وهذا مفهوم غريب للديمقراطية يجعل من كل انتخابات مناسبة لإعادة النظر فى النظام السياسى الذى تسير عليه البلاد ويصبح معنى احترام الإرادة الشعبية هو أن تأتى كل انتخابات جديدة بدستور جديد.

وهذا تصور غير سليم لدور الانتخابات فى الديمقراطية والتى تعنى السماح لقوى سياسية مختلفة بتداول السلطة داخل نفس الإطار الدستورى.

وهذه الحجة تتضمن خلطا والتباساً فى فهم معنى الإرادة الشعبية ومقامها: فلدينا إرادة الشعب التى تتمثل فى الثورة على نظام فاسد ومستبد، ووضع أسس نظام مغاير والدخول إلى مرحلة تاريخية جديدة. ولدنيا إرادة الشعب المتمثلة فى الانتخابات وهى عبارة عن مفاضلة بين برامج للأحزاب السياسية والانتخابات فى هذه الحالة تكون استشارة من الدولة تطلبها من المواطنين حول طريقة إدارة البلاد فى الأربع سنوات المقبلة، وأخيرا هناك الإرادة الشعبية التى تعبر عنها استطلاعات الرأى والتى، لأنها متغيرة وقصيرة المدى، لا يعتد بها كثيراُ فى الدولة المدنية، فعلى سبيل المثال فى البلاد التى ألغت عقوبة الإعدام، حينما تحدث جريمة بشعة تبين استطلاعات الرأى أن أغلبية المواطنين مع عودة العقوبة، ورغم ذلك لا تعود، لأن احترام النظام يعنى حمايته من أهواء الرأى العام. كما ينبغى أن يكون النظام محصنا أيضا من أشكال التلاعب الشعبوية والديماجوجية، فبعد أحداث شغب قام بها شباب فرنسيون من أصول عربية وإفريقية، صرح الرئيس ساركوزى بأنه سوف يسن قانونا يعاقب كل شاب فرنسى من أصول أجنبية يعتدى على شرطي، بسحب الجنسية منه وطرده إلى بلده الأصلى. وحسب استطلاعات الرأى كانت أغلبية المواطنين فى صف هذا الإجراء.

ولكن بفضل رجال القانون وأحزاب المعارضة والمثقفين تم وأد هذا القانون فى مهده لأنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون. لأنه يجوز تغليظ العقوبة على الجميع، ولكن لا يجوز فى دولة مدنية حديثة وضع عقوبة تخص مجموعة من السكان وتستثنى أخرى. وهكذا نجد أن احترام إرادة الشعب يقتضى الحرص على الحقوق الأساسية وليس اتباع الرأى العام.
وهناك حجة ضد المبادئ الدستورية تقول إنه لا يوجد اعتراض على المبادئ فى حد ذاتها، ولكن لا داعى لجعلها ملزمة، لأن فى هذا تعد على حقوق الأجيال المقبلة لأنها ربما ترى رأياً آخر. وهى حجة غريبة.. لأن هذه المبادئ تضمن حرية المواطنين وكرامتهم، فهل رأيتم شخصاً أمريكيا أو فرنسيا منزعجاً لأن نظام بلاده يضمن له حريته فى الاعتقاد والتنظيم والتظاهر منذ مائتى عام، أليست هذه الحقوق تراكما نتج عن قرون من الكفاح ضد الاستبداد، والبشر يكافحون لتوريث أولادهم بعض المال، أفلا يستحق الأمر أن يكافحوا لتوريث أولادهم ما يضمن لهم الحرية والكرامة.

الاعتراض الأخير هو أن المبادئ الدستورية محاولة من العلمانيين والليبراليين لقطع الطريق على تطبيق الشريعة الاسلامية فى حالة فوز التيارات الدينية. وهو الاعتراض الوحيد الذى له معنى لأنه يطرح المشكة بوضوح. وهو اعتراض يأتى فى صالح القوى المدنية لا عليها: فقد قامت الثورة وكان أول شعاراتها هو المطالبة بالدولة المدنية، ولهذا فالعلمانيون والليبراليون واليساريون بطرحهم هذه المبادئ يواصلون مسيرة الثورة ويستمرون فى الكفاح ضد الثورة المضادة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

zlzal

يقولك ايه

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو مصعب الهواري

التحذير من الفخ العلماني اللاديني للتيار الإسلامي!

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmed

ثورة من اجل الديكتاتورية

عدد الردود 0

بواسطة:

د ايمن ابو السعود

لا داعى للطرق الكثيرة عندما يتوفر طريق سهل وبسيط

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmed

مطالب الثورة قيام الدولة المدنية؟هههههه

عدد الردود 0

بواسطة:

ماهر رزيق-USA

القضية واضحة وضوح شمس النهار لمن لا يختاروا طريق الألاعيب و اللف و الدوران

عدد الردود 0

بواسطة:

رامى

مصر دولة مدنيه حديثة لا دينيه

عدد الردود 0

بواسطة:

علمانى

أرفض !

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

بجد

مقال رائع (انشر)

عدد الردود 0

بواسطة:

hz

شكلك مش عاوز لا شريعة و لا دين و عاوز زنا و قال و كفر ربنا يباركللك فى فسادك وفسوقك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة