أنا من جيل عاش طفولته من أواخر الخمسينيات حتى أوائل الستينيات، وكانوا إذا سألونا «تحب تطلع إيه» كنا نجيب عليهم: «أحب أطلع ظابط» وكانت الظروف والسياقات من حولنا ملونة باللون الكاكى، فمصر الثورة تعيش أجواء الحرب على الحدود، وتعيش فى الداخل معارك فيها الكثير من التحدى، الأقرب إلى وضع الجنود والمجتمع منتظم صفوفا، ينطلق كل صف فى الصباح إلى أرض معركته، هذا يتجه إلى السد، وذلك لبناء المدارس والمستشفيات والثالث لبناء المصانع والرابع للقناة والخامس لاستصلاح الأراضى والخلاصة أن روح الكاكى، كانت موجودة بإلحاح داخل الحدود وخارجها ولم أسمع فى ذلك الوقت الذى تحول فيه الشعب إلى جيش للبناء، أحداً يتحدث أو يطالب بالمجتمع المدنى أو يهاجم الكاكى ولأن الشعب نفسه كان يرتديه وهو يتحلى بروح الجندى فى التزامه وسرعة إيقاعه وحسن تلبيته وصرامته. بهذه الروح أنجز شعبنا العظيم فى معارك الحدود وملاحم البناء حتى نصر أكتوبر المجيد، بعد ذلك وخاصة فى أعقاب الحديث عن آخر الحروب وتوقيع اتفاقيات الصلح مع الأعداء، فقد لون الكاكى وروح الكاكى معناهما وصرنا ننادى الجندى بلقب «دفعة» بعد أن كنا نناديه يا «وحش».
تعمدت كتابة هذا المدخل الطويل للحديث عن رغبات الطلاب المتفوقين فى الثانوية العامة، والذين أعادوا الاعتبار لمعنى الكاكى بعد ثورة يناير العظيمة، التى التحم فيها الجيش مع الشعب تحت شعار «الشعب والجيش إيد واحدة» فقد بدأت علاقة الطالب بالكليات العسكرية فى زمن ثورة يوليو المجيدة أقرب إلى حالة التطوع وشرف الانتساب للجندية للمشاركة فى معارك الشرف، ثم تحولت العلاقة بعد ذلك إلى مايشبه الوظيفة المضمونة، بعد عصور طويلة من البطالة، والآن تعود للأشياء فى مصر طعمها الأساسى والطبيعى ويزيد الإقبال على الكليات العسكرية، كترجمة حرفية لفلسفة اليد الواحدة التى أنجزت أعظم ثورة شعبية فى التاريخ، بفضل هذه الملحمة الطبيعية للجيش والشعب، فصورة الجندى والضابط دخلت الوجدان المصرى الآن من زاوية الثقة والشعور بالأمان، وبرغم النقد الحاد الذى يوجهه البعض للمجلس العسكرى سواء بالحق أو بالباطل، فإن المواطن فى ظل حالة الفوضى وغياب الدولة لم يعد يستجير، أو يستنجد إلا برجال القوات المسلحة ثقة فى عدلهم ونزاهتهم.
هذا الذى أكتبه الآن أردت أن أرد به على صديقى العزيز الكاتب سعيد الشحات، حينما أخبرنى عن رغبة ابنه زياد فى دخوله كلية عسكرية، ورغم حصوله على مجموع يقترب من النمرة النهائية، يؤهله لدخول كلية الطب، التى ستظل حلم الأباء للأبناء، إلا أن الابن مازال مصرا على اختيار الكلية العسكرية، والمعنى فى ثورة يناير التى أعادت كل المعانى التى فقدناها فى زمن النظام المخلوع كضرس نخره السوس.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف الصديق
انصحه لله
انصحه لله وقولوا لا
عدد الردود 0
بواسطة:
مهند عبد الحميد
لم يعد يستجير ألا بالقوات المسلحة
عدد الردود 0
بواسطة:
د .على
فى حل وسط
عدد الردود 0
بواسطة:
..............................
...............................
عدد الردود 0
بواسطة:
هلال زايد
اعظم امنيه فى حياتى تحققت