د.أنور مغيث

إن لم تعطنى صوتك.. حتروح النار!!

الجمعة، 15 يوليو 2011 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليست الدولة المدنية مجرد مجموعة من المبادئ التى ينبغى أن ينص عليها الدستور، ولا مجرد مؤسسات خاضعة لرقابة ممثلى الشعب، ولكنها أيضاً وقبل كل ذلك ممارسة سياسية فى الواقع تعكس ارتفاع مستوى الوعى السياسى للمواطنين.

ولكى نفهم معنى الممارسة السياسية فى دولة مدنية علينا دائما أن ننظر فى تجارب الشعوب التى نعيش بينها.

فى العام القادم سوف يشهد العالم انتخابات رئاسية فى فرنسا وأمريكا ومصر وغيرها من الدول، وسوف يقوم المرشحون بتنظيم حملات انتخابية يديرها مجموعة من خبراء الدعاية والعمل السياسى، فلو افترضنا مثلاً أن مدير حملة ساركوزى أعلن أن برنامج الرئيس ساركوزى يتوافق مع ما تأمرنا به المسيحية، سوف يثير هذا التصريح بالتأكيد حملة استهجان واسعة وسيكون أول المنزعجين هو ساركوزى نفسه، لأن التمحك فى الدين، فى نظر جمهور واعى سياسياً يعد علامة على الإفلاس.. لماذا؟

لأن المطلوب من أى حزب سياسى فى حالة الانتخابات التشريعية، أو أى شخص فى حالة الانتخابات الرئاسية، أن يقدم برنامج يتضمن الخطوات العناصر التالية:

أولا- تشخيص حالة المجتمع للتعرف على المشكلات التى يعانى منها.
ثانيا- ترتيب هذه المشكلات بحسب الأولوية من منظور المرشح.
ثالثا- اقتراح حلول ومعالجات لهذه المشكلات تكون قابلة للتنفيذ.
رابعا- الترقيم، أى تقدير التكلفة المالية لهذه الحلول فى صورة أرقام محددة.
خامسا- تحديد المصادر التى سوف يحصل منها على المال اللازم للتنفيذ.

ويختلف المرشحون فى تحديد المشكلات وترتيب الأولويات وفى اقتراح الحلول وسبل التنفيذ، وعلى الناخب المفاضلة بينهم، ولهذا فالإشارة إلى تدين المرشح أو إلى توافق البرنامج مع الدين لا مقام له هنا، وإذا لجأ إليه المرشح فهذا يعنى أنه غير واثق من برنامجه ويتوسل كسب الأصوات عبر نواحى أخرى غير سياسية، مما يزعزع الثقة فى قدراته السياسية ويثير القلق على مستقبل البلاد، وحتى وإن كان المرشح يعتقد أن الدين يقدم حلولاً لمشكلات الناس السياسية والاقتصادية، فإن عليه حين يطرح ذلك على الناس أن يقدمه بلغة سياسية تقوم على لغة الحساب والإقناع العقلانى، ولهذا فالإشارة إلى الدين فى البلدان الديمقراطية تودى إلى فقدان للأصوات وليس إلى كسبها.

ولا يعنى ذلك أن الحملات الانتخابية فى هذه البلاد بريئة وصادقة ونزيهة، فطالما كان هناك سباق لكسب الأصوات فهناك مجال للتلاعب والإغواء واستدرار العطف والإسراف فى التصريحات الشعبوية أو ما يسمى بالديماجوجيا، ولكن الديمقراطية تعتمد على جانبين لتفادى هذه المخاطر: أولهما الوعى السياسى للمواطن وقدراته على التمييز، وثانيهما حرية النقد الممنوحة للخصوم لبيان أوجه التلاعب والتزييف فى الدعاية السياسية للمنافسين.

ولهذا تختلف محاولات رجال السياسة وتحايلاتهم لكسب تأييد الجمهور بحسب مستوى الوعى السياسى للشعب.

فإن كان الشعب واعياً أتت هذه المحاولات دقيقة ومنطقية ومعقدة، وإن كان الشعب غير واع أتت ساذجة وكأنها موجهة لمجموعة من الأطفال، فهناك فارق بين من يحاول أن يكسب أصوات الناخبين زاعماً أنه سوف يقلل الضرائب على الدخول الكبيرة مما يشجع على الاستثمار وبالتالى تخفيض البطالة؛ وبين من يحاول أن يكسب أصواتهم قائلا: "إن لم تعطنى صوتك.. حتروح النار!!".

فى هذه الحالة الأخيرة يحاول المرشح أن يستفيد من تخلف الوعى السياسى للجماهير لا أن يرتقى به، ومن الواضح أن هناك قوى كثيرة فى مصر لجأت وستلجأ إلى هذا الأسلوب فى كسب الأصوات، والأدهى أنها تحاول تكريسه والدفاع عنه باسم الهوية والخصوصية الثقافية والاختلاف عن الغرب وما شابه ذلك.

مما لا شك فيه أن ثورة 25 يناير قد ساهمت فى رفع مستوى الوعى السياسى للشعب المصرى، وقد تجلى ذلك فى مطالبتها منذ أول يوم بالدولة المدنية ونبذها للشعارات السياسية ذات الصبغة الدينية التى كانت رائجة قبلها. كل ما نأمل فيه أن يؤدى هذا الوعى إلى ممارسة سياسية عقلانية لا تكون فيه اللعبة السياسية أسيرة فى أيدى تجار النجاة فى الآخرة؛ وأن ترتقى بالوعى السياسى للشعب لا أن تستغل تخلفه.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

سبحان الله هتروحوا يمين و شمال بردوا و تغيروا المسميات بس

سبحان الله هتروحوا يمين و شمال بردوا و تغيروا المسميات بس

عدد الردود 0

بواسطة:

د. تامر

يقول الكاتب

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصرى

مقال متميز للغاية

مقال متميز للغاية و تسلم إيدك عليه يا أستاذنا

عدد الردود 0

بواسطة:

monir

اشف يارب

ارحمنا يارب و قال ايه دكتور

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسين

ان لم تصمت انت هتروح التار

عدد الردود 0

بواسطة:

منير

ثقافتان للأنتخاب

عدد الردود 0

بواسطة:

طبيبة مصرية

عجيب

عدد الردود 0

بواسطة:

حماده

واضح إن الكاتب فاكرنا لسه سذج وهو الوصي علينا

عدد الردود 0

بواسطة:

Mohamed

نعم و لكن

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد سلمان

ارحم نفسك بقى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة