15 ألف مريض قلب فى طابور الانتظار أمام المعهد القومى للقلب بإمبابة، وهو رقم مفزع! لكن الأخطر منه أن قدرة المعهد فى الجراحات التى لم تكن تستطيع أن تتجاوز حسب التصريحات التى أطلقها الدكتور عادل البنا عميد المعهد 15 حالة يوميا فى الأوقات العادية قد تراجعت حاليا إلى 6 حالات فقط يوميا.
الأرقام تعنى أن الانتهاء من هذه القائمة يحتاج إلى أن يغلق معهد القلب الباب أمام أى حالات جديدة لمدة 10 سنوات بحد أدنى للانتهاء من الـ 15 ألف مريض!!
الأسباب كما يرويها الدكتور عادل البنا ترجع إلى عدم القدرة المالية للمعهد على سد احتياجات الحالات الوافدة عليه، خاصة مع تراجع دور المستشفيات الجامعية والحكومية فى إجراء جراحات القلب بسبب ارتفاع تكلفتها المالية مع محدودية الموارد، وفى إطار سياسة وضعت منذ سنوات لتحويل المستشفيات الحكومية إلى جسد بلا أحشاء.
المهم أن المعهد القومى للقلب، والمفترض أنه الصدر الحنون لمرضى مصر الفقراء، وما أكثرهم يعانى من أزمة حقيقية، حيث يعتمد فى تمويله للجراحات والقساطر التشخيصية والعلاجية التى تجرى على نفقة الدولة والتأمين الصحى، بما لا يزيد عن 5 ملايين جنيه لجراحات تكاليفها الفعلية تصل إلى 9 ملايين جنيه، ليكون هناك عجز يقدر بـ 4 ملايين جنيه، من المفترض أن يتحملها المعهد ومن مصدر واحد هو التبرعات، والتى تأتى من أهل الخير.
لكن ما لم يكن متوقعا هو أن يجف هذا المصدر الحيوى للتمويل خلال الأشهر الماضية، وللأسباب التى تمر بها مصر حاليا.
ويشكل معهد القلب القومى قلعة لجراحات القلب المفتوح، وتركيب الدعامات مع القسطرة العلاجية والتشخيصية لآلاف المترددين عليه يوميا، فتكلفة الجراحة للقلب المفتوح تصل إلى 20 ألف جنيه، بينما ما يصرف على نفقة الدولة بموجب قرار العلاج لمريض القلب لا يتجاوز 12 ألف جنيه كحد أقصى، وبالتالى يكون الدعم الذى يتطلبه المريض الواحد 8 آلاف جنيه.
ورغم الظروف التى يمر بها المعهد، والذى يفتح أبوابه أمام كل الفقراء ويقوم بدور حيوى لعلاج القلب كانت ظروفه العادية قد تراجعت من 3 ملايين إلى مليون جنيه فقط العام الماضى. وهو ما ترتب عليه أن تقفز مديونياته للشركات من 40 مليونا العام المالى المنتهى فى 30 يونيه 2010 إلى 90 مليون جنيه حتى الآن.
ويتولى المعهد الإنفاق من التبرعات على المرضى فى العلاج فقط والمستلزمات الضرورية التى تتحول إلى مستهلكات، ولا ينفق مليماً واحداً على أى تجهيزات أو مرتبات أو غيرها.. وإمعانا فى الشفافية يتم الصرف تحت إشراف الأجهزة الرقابية ومنها المركزى للمحاسبات، مما يؤكد أن كل تبرع يوجه إلى المرضى بشكل مباشر.
المعهد بدورة ومنذ سنوات ألغى أساليب إعادة استخدام الأدوات، ومن خلال عمليات تعقيم مع أكثر من مريض، ليصبح الاستخدام لمرة واحدة فقط، ثم تعدم تلك المهمات حفاظا على حياة المرضى ومنعا لانتقال العدوى، مما أضاف عبئا ماليا لكنه تصرف حميد من إدارة المعهد تستحق الشكر عليه.
المفارقة تتكشف عندما نجد وزارة الصحة، والتى قدمت على مدار السنوات الماضية عشرات الملايين من الجنيهات للمستشفيات الخاصة من خلال قرارات إجراء جراحات فى القلب تتكلف على نفقة الدولة 60 ألف جنيه فأكثر للجراحة الواحدة تتحول إلى أبخل خلق الله على المستشفيات العامة، ومنها معهد القلب، باعتبار أن مخطط حكومة البيزنس غير المأسوف عليها كان يستهدف تخريب القطاع الطبى العام لصالح تنشيط نظيره الخاص!
لكن الوزارة بعد الثورة لم تستدرك الآن حجم الجريمة التى ترتكب بتدمير صحة المواطنين بإجبار المستشفيات التابعة للدولة على التخلى عن دورها، والتعامل على طريقة المستشفيات الخاصة، وبأسلوب البيزنس مع المرضى الفقراء، فعليها أن تسبح ضد التيار حتى تشرف على الغرق.
ومعهد القلب نموذج يكاد يلفظ أنفاسه غرقا فى ديون بسبب مشاكل التمويل. ليس أمامنا إلا أن نخاطب أهل الخير فى أن ينظروا بعين الرحمة لآلاف مرضى القلب الفقراء المتراصين فى طابور طويل أمام المعهد، فى انتظار إجراء جراحة لإنقاذ أرواحهم، طالما أن الثورة لم تصل بعد إلى قطاع الصحة!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة