لا صوت يعلو على صوت الدستور فى مصر الآن، وفى هذه الحقبة التاريخية شديدة الحساسية وشديدة الأهمية لكل مصرى فى الداخل والخارج.
أصوات كثيرة تنادى بتعديل الدستور قبل إجراء أى انتخابات تشريعية أو رئاسية كما أن هناك أصوات تنادى بإجراء الانتخابات قبل أى تعديل حتى لا ننزوى فى حزمة من التعديلات لا نهاية لها.. لقد قال الشعب كلمته فى 19 مارس الماضى ووافقت الأغلبية المطلقة على تعديل بعض مواد الدستور فى إقبال حقيقى منقطع النظير يخلو من أى شائبة تزويرية كما كان يخشى البعض قبل ذلك تخوفاً مما قد كان يحدث قبل ذلك ورأى العدسة تتجه نحو إعلان دستور جديد ودائم للبلاد يكفى على الأقل قرن من الزمان يتماشى مع روح العصر وطموح الثورة التى طهرت المصريين جميعاً.. شهدت مصر أول دستور لها عام 1923 من الميلاد وفى عامة التالى تم إجراء أول انتخابات برلمانية حقيقية أتى الشعب بممثليه فى المجلس التشريعى الوحيد (مجلس النواب) وعندما أتت ثورة يوليو 1952 عدلت الدستور وأعلنت دستور 1954 القائم على النظام الجمهورى (الرئاسى) حيث كان قبلها نظام مصر (برلمانى) ملكى قائم على التعددية الحزبية وتداول السلطة وهو ما تغاضت عنه ثورة يوليو وثوارها إلى الحزب الواحد وتم تحديد إقامة رئيس جمهورية لمصر فى بيته حتى لاقى ربه فى الثمانينات فقيراً معدماً بمعاش لا يكفى حياة التعساء فعمل أولاده فى مهن لا تليق بأولاد الرئيس ومازالوا على حالهم حتى الآن بعدما عمل حفيد الرئيس محمد نجيب أخصائى علاقات عامة بالقرية الفرعونية ودفع ثمن هذه الوظيفة المؤقتة بالتنازل عن مقتنيات جده لصالح متحفه الذى أنشأته تلك القرية السياحية النيلية.
فى وقت كانت توزع فيه فرص العمل على علية القوم فى مصر جهاراً نهاراً رغم بكاء هذه الأسرة التى لم يستمع لعويلها أحد .
نترك هذه الرواية الحقيقية التراجيدية إلى عصر الرئيس السادات الذى فجر ثورة التصحيح وزج بمراكز القوى فى غياهب السجون وصنع دستور 1971 الذى وصفه بدستور مصر الدائم .. وفى الحقيقة إن كل الدساتير المصرية مبنية على قوام واحد أنشئ عام 1923 وكل ما طرأ عليه بعد ذلك كان بمثابة تعديلات فى بعض المواد .
ونمسك بأيدينا فقرة هامة ألا وهى نسبة العمال والفلاحين التى أطلقها جمال عبد الناصر وحددها بـ 50% على الأقل من أى انتخابات برلمانية أو محلية وزاد عليه السادات أن تكون نفس النسبة قى قيام الأحزاب السياسية التى لم يعترف بها دستوره القائم 1971 وظلت هذه النسبة طوال عهد مبارك لا مساس بها رغم تعالى بعض الأصوات المنادية بتعديلها .
واليوم أى أرى خطأ واضحاً فى تكوين الأحزاب السياسية التى تم إعلان عدد جديد منها خلت من هذه النسبة المعمول بها قبل ذلك . ولا يستطيع أحد أن يتهمها بعدم الدستورية لعدم وجودها فى الدستور أصلا حتى الآن؟!.
أصوات كثيرة تطالب بتعديل هذه المادة بعدما تخلت مصر عن مبدأ الاشتراكية إلى الليبرالية فى كل شىء وبعدما رحلت عنا قوامة العمالية بالخصخصة التى ذبحت القطاع العام وأنهكت قوامه اتحاد العمال وبعدما أضحى الفلاح رجل لا يشارك فى الحياة السياسية، كما ينبغى له وحمل صفته لواءات شرطة ومهنيين بحيازة زراعية أقل من عشرة أفدنة.
وهؤلاء بالطبع لا يرتدون زى الفلاح فى الغالب ولا ترى سوى أقل من عدد أصابع اليدين فى المجلسين كانوا على هذا الحال.
والفلاح ليس فى زيه فقط ولكن فى ممارسته عمله وتم القضاء تماما على الفلاح وقضيته بالتحرر من قيود ثورة يوليو وقوانينها الاستثنائية وعادت الأرض لمالكيها عام 1996 وقضت الخصخصة على العمال بعدها بسنى قليلة.. رحم الله العامل والفلاح وأصبحنا نرى الفلاح الشيك والعامل الأشيك.. وزمن محمد أبو سويلم قد ولى وانتهى .. إذن لابد من تحرر الدستور من هذه القبضة الاستثنائية التى تصيبنا بركب التخلف وتوقف عجلة الليبرالية التى تزحف مصر حولها بكل جهد وقوة .. لقد ولى زمن الاشتراكية ودخلنا عصر الرأسمالية واليمين بملكية لا حدود لها بكسب مشروع .
لقد ألغت مصر رسمياً جهاز المدعى العام الاشتراكى منذ سنوات وهذا إيذاناً بطى صفحة خصوصية العمال والفلاحين وحقوقهم الاستثنائية التى رأت ثورة يوليو فيها ضرورة حتمية.. لقد نجحت ثورة يوليو فى ذلك وأدت الهدف من ذلك وانتهى الأمر.. إذن ما هى القوانين الاستثنائية التى أكدتها ثورة (25يناير) للشعب المصرى وللثوار المصريين ؟! لم يرى الشعب شيئا منها حتى الآن وعزاؤنا أن الوقت لم يسعف حكومة تسيير الأعمال فى إنجاز أجندتها وترتيب نوتتها لنستعذب ألحانها فى آذاننا وتشجينا أوتارها .. ولكن متى نرى ذلك .. ليس الأمر فقط فى إلغاء مادة ال 50% عمال وفلاحين ولكن فى دستور جديد للبلاد بواسطة الفقهاء الدستوريين بشرط أن يكون جامعاً مانعاً شاملاً فى حل يرضى جميع الأطراف ويؤكد على عروبة الدولة بمسلميها ومسيحييها وتسخير الأموال المنهوبة لصالح الشعب فى صورة أعمال حقيقية وشقق إسكانية وفرص عمل وليس فقط كبارى وأنفاق وإن كانت مثل هذه الأعمال ضرورة ولكن هناك ما يتقدم عليها فى مرتبة الأولوية .
والهدم أفضل من الترميم أحياناً والبناء من القاعدة أبلغ من طلاء الواجهات التى بليت بفعل هؤلاء وملوحة البحر ورزاز الأسمنت.