بعد خمسة عشر عاماً من دعوته عام 1996 لإنشاء بنوك للفقراء فى العالم العربى، دعا الأمير «طلال بن عبدالعزيز» منذ أيام إلى ملتقى إعلامى عقده بالقاهرة، وحضره عدد كبير من الإعلاميين لكى يناشد من خلاله القيادة الجديدة فى مصر، أن تذلل العقبات التى حالت دون أن تكون مصر - كما كان يتمنى - مقراً لأول بنك من هذا النوع، وكانت النتيجة أن سبقتها أربع دول عربية أخرى، هى اليمن والأردن والبحرين وسوريا.. معبراً عن أمله فى أن يساعد الإعلام على تخطى هذه العقبات حتى تلحق مصر بالموجة الثانية التى تؤسس فيها بنوك للفقراء، والتى تشمل غيرها، خمسة بلاد عربية أخرى، هى لبنان والسودان وفلسطين وموريتانيا وجيبوتى..
وبنوك الفقراء، مشروع بدأ فى بنجلاديش وتزعم الدعوة إليه أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية، التى أصبحت عالمية بعد ذلك «محمد يونس».. وهى بنوك فقيرة، تقوم برءوس أموال محدودة للغاية، لتقدم قروضا محدودة إلى المواطنين الأكثر فقراً، لكى يقوم كل منهم بمشروع إنتاجى صغير، يمكنه من مواجهة فقره، ويساهم كذلك فى زيادة نسب النمو فى اقتصاد بلاده.. وعلى عكس البنوك الكبيرة التى تشترط على المقترضين منها أن يثبتوا أنهم أغنياء، وأنهم يملكون ما يمكن أن يكون ضمانا لسداد ما يقترضونه منها، فإن بنوك الفقراء تشترط على من يقترض منها أن يثبت أنه فقير، ولا يملك شيئاً.. فهى تقدم قروضها بلا ضمان، ودون فائدة، وتعتمد على ضمير المقترض فى رد ما اقترضه منها، والغريب أن تجربة بنوك الفقراء العربية الأربعة، أثبتت أن 98% من المقترضين الفقراء يردون القروض، وهو ما لا يفعله بعض أصحاب المليارات، الذين احترفوا الحصول على قروض ضخمة من بنوك الأغنياء، ويقدمون ضمانات وهمية، ثم يهربون بما اقترضوه..
وترجع أهمية بنوك الفقراء، إلى أن عدد الفقراء يبلغ أكثر من 19% من عدد السكان فى الوطن العربى، فمن بين 350 مليون عربى، هناك 70 مليونا - أى واحد من كل خمسة - يعيشون تحت خط الفقر، ولا يصل دخل الواحد منهم إلى دولارين فقط فى اليوم..
ونصف هؤلاء الفقراء العرب، أى 35 مليون فقير، هم المؤهلون للحصول على خدمات مالية أو قروض من بنوك الفقراء.. وهم يحتاجون إلى قروض تتراوح قيمتها بين 18 و27 مليار دولار، لا يملك الفقراء الآن منها سوى مليارين فقط!
تلك أرقام تكشف عن أن حجم مشكلة الفقر فى أمتنا العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، أكبر بكثير مما يتصور أكثرنا تشاؤما، وتلقى ظلالاً قاتمة على مستقبل الأمة، وعلى استقرارها، وتتجاوز الآمال المفرطة فى التفاؤل، التى يعلقها بعضنا على الزحف الديمقراطى، الذى بدأ يزحف على العالم العربى، فالبطون الخاوية لا تعنيها الديمقراطية، ولا يملك معظم أصحابها رؤية واضحة تجعلهم يربطون بين ما يعانون من جوع وبين إقامة نظم ديمقراطية، يستطيعون فى ظلها أن يعدلوا السياسات الاقتصادية، على نحو يؤدى إلى حقهم المشروع فى المبيت بمعدة ممتلئة.
ومن المؤكد أن بنوك الفقراء ليست هى الحل الجذرى لمشكلة الفقر فى العالم العربى، فالأمر يحتاج إلى سلة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإلى اهتمام جدى من النظام السياسى العربى فى طبعته التى تتشكل الآن بعد موجة الزحف الديمقراطى، وفى طبعته التقليدية، يتمثل فى وضع هذه المشكلة فى صدر اهتمامات وسياسات هذه النظم، لكن ذلك لا ينفى أهمية وفاعلية الدور الذى تلعبه هذه البنوك وأمثالها من المشروعات المماثلة فى إثارة الاهتمام أولاً بمشكلة الفقر، ومحاولة تخفيف جانب من حدتها..
وما تقدمه بنوك الفقراء من قروض إلى المستفيدين من خدماتها، هى قروض «متناهية الصغر»، إذ الهدف منها، هو تهيئة الظروف لهم للبدء فى القيام بعمل منتج، يوفر لهم فرصة عمل، ويسد جانبا من الاحتياجات الملحة، كخطوة أولى، ويطور قدرتهم على مزيد من الإنتاج، وبالتالى قدرتهم على مقاومة حالة الفقر التى يعيشون فيها..
أما المهم فهو أن الأمير طلال بن عبدالعزيز الذى لجأ للإعلام لكى يخاطب من خلاله القيادة الجديدة فى مصر، أن تذلل العقبات التى حالت دون تأسيس بنك للفقراء فى مصر، أصر على عدم الإفصاح عن أسباب وضع تلك العقبات أو اسم من يقف وراءها، وما أتمناه ألا يكون وراء ذلك اعتقاد من بيدهم الأمر، أمس واليوم، أن مصر ليس بها فقر ولا فقراء.. وبالتالى فهى ليست فى حاجة إلى بنوك للفقراء جداً، اكتفاء بما لديها من بنوك للأغنياء جداً.. جداً.
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز
موضوع مهم فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
جابر سعد
ينوبك ثواب ياعم صلاح
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم عبد المعبود داغر
تحية الى الاستاذ صلاح عيسى