حينما امتنعت عن الكتابة بعد الثورة، كنت أظن - وبعض الظن إثم - أنه آن الأوان لنستريح من عبء المعارضة لنظام الفساد الذى كان قائمًا قبل زلزال يناير الذى هز الدنيا هزّا، وأن نترك الراية للجيل الذى أسقط عرش الطاغية بطريقة سلمية فريدة فى التاريخ، ليعبر بمصر من عصر النهب المنظم لعصر الدولة الكبرى بإمكانياتها البشرية الفذة وكنوزها العقلية والمادية، وبدخول الدكتور عصام شرف للميدان كمرشح لقوى الثورة شعرت من بين الدموع ورعشة الفرح بأن عصرًا جديدًا قد بدأ، خاصة وقد جمع الرجل بين الكفاءة والشرف، وكنت على ثقة فى أنه قادر على حماية الثورة من أى انحراف، أو انجراف، وحينما كان المخلصون ينتقدون حالة التباطؤ فى الحركة باتجاه الأهداف كان الدكتور شرف يطالب الجميع بالصبر، وصبر الناس احترامًا وثقة ومحبة فى الرائع الخلوق صاحب النوايا المخلصة، وكنت - شخصيّا - أواجه منتقديه بمنتهى الشراسة لأنى تشرفت بمعرفة الرجل عن قرب لمدة ليست قصيرة قبل الثورة والوزارة، وأعرف عن وطنيته ونزاهته الكثير، لكنى أعترف الآن أمام القارئ بأن موقفى اختلف كثيرًا بعد أن أوصلنا الأداء البيروقراطى والتخلى التدريجى عن الشرعية الثورية لضرب أهداف الثورة، الواحد تلو الآخر.
فعلى المستوى الاقتصادى تبشرنا الوزارة بقانون المصالحة مع رجال الأعمال «على أساس أننا أغضبناهم بالحديث عن الفساد وزواج السلطة بالمال فى السابق، وذلك لكى نطمئنهم ونثبت أقدامهم ليشاركوا فى الاستثمار كما كانوا يفعلون فى عصر المخلوع وولده، ويأتى ذلك فى سياق الحديث عما سببته الثورة من خسائر اقتصادية كبيرة بالإضافة للمخاوف من الخطاب الثورى السائد الذى يتهم كل رجال العصر البائد بالفساد والنهب، ويضاف إلى ذلك الدعوات التى تطرح فكرة التسامح مع فريق مزرعة طرة ماداموا سيعيدون الأموال التى نهبوها، وكمان بالمرة الإفراج الصحى لمبارك وزوجته بعد استرداد بضعة ملايين»، يعنى الخلاصة أننا أخطأنا فى حق هؤلاء ولابد من الاعتذار لهم لكى تمضى العجلة ونجد ما نأكل، وللعلم - وعلى سبيل التذكرة - كان ذلك هو الأسلوب الاقتصادى السائد قبل الثورة والقائم على تقديم كل التسهيلات والدلع والطبطبة لرجال الأعمال، وكانت النتيجة ما تعرفون، والتى أدت فى النهاية إلى الثورة، ومن ثم تعود السياسات نفسها فى العصر الثورى تحت عنوان النهوض الاقتصادى وطمأنة المستثمرين.
وعلى المستوى السياسى تمخض المشهد بعد الثورة عن مثلث سياسى له أضلاع ثلاثة: الأول فى السفح ويمثل القوى الشعبية التى صنعت التغيير ومازالت تنتظر فى قواعدها بشائر الثورة والخوف من أن تتحول هذه القوى بطول الانتظار واليأس إلى صمتها التاريخى.
والضلع الثانى: ويمثله تيار الإسلام السياسى، صاخب الصوت والذى يمتلك سلطة أخلاقية واجتماعية واقتصادية وإعلامية، ورغبة فى الإقصاء والانفراد.
والضلع الثالث: ويعبر عنه فصيل ينادى بليبرالية كاذبة تمتلك المال والميديا والضجيج المتطرف فى علمانيته، ويتصور هذا الفصيل الذى ركب الثورة أنه قادر على صناعة التاريخ، وعلى قمة المثلث يجلس المجلس العسكرى، يراقب ويتفاعل بمنطق المراحل الانتقالية. والكل ينظر إليه كمفتاح وحيد للحل والعقد.
أما على المستوى الأمنى فقد أيقن الناس أن الشرطة لن تعود إلا إذا مارست نفس ما كانت تمارسه من بشاعات يندى لها الجبين، فقد احتفلنا بهم بشكل مبالغ فيه وطبطبنا وعذرنا واعتذرنا حتى يتعطفوا علينا وينزلوا إلى الشارع، ونزلوا ليمارسوا طقوس الصمت المريب وكانت النتيجة عودة العنف والجريمة والبلطجة والحرائق الطائفية بشكل غير مسبوق.
أما القوى السياسية صاحبة المشاريع والتاريخ فقد أصبحت تائهة تبحث عن حليف فى ضلعى المثلث على سبيل الالتحاق، لا المشاركة. وعلى الصعيد الخارجى مازالت أمريكا هى الراعى الرسمى، ومازال الخليج هو المقصد للسفر، ومازال الغاز يضخ للصهاينة، أما دور مصر الدولى فمؤجل لما بعد الانتخابات.
هذا هو الحال يادكتور شرف، وأخشى من الدعوة لمليونية لإقالة حكومة الثورة «سابقًا».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب
كلام في الصميم
الله ينور عليك يا د. عزازي
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى
خالف تعرف
عدد الردود 0
بواسطة:
امل
حرام عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر
إلى أمل
هو كل ده تم يا أمل أم مازل معظمها خطط
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو دهيس
أحييك يا أمل 3
عدد الردود 0
بواسطة:
فلاح شرقاوى
هههههههههههه