لا يختلف أحد على أن جماعة الإخوان المسلمين أكبر فصيل سياسى لديه قدرات تنظيمية على الحركة بعد ثورة 25 يناير.. ولكن السؤال الذى اختلف عليه الجميع ويطرح نفسه بقوة المرحلة الراهنة.. إلى أى الاتجاهات يتحرك هذا التنظيم القوى والكبير؟
من المؤكد أن النجاح المفاجئ والسريع للثورة أدى إلى ارتباك كبير لجميع القوى السياسية ولا سيما الجماعة التى أصبحت أكبر الرابحين من الثورة، ربما لأنها كانت أكبر من تعرضت للتنكيل والتضيق فى عهد النظام السابق.. فأصبحت بين يوم وليلة جماعة معترف بها رسميا وشريكا فى الوطن بعد أن كانت " المحظورة " منذ شهور قليلة، بل واقتربت من انتزاع الموافقة الرسمية لحزب يمثل فكرها لأول مرة فى تاريخها وهو حزب الحرية والعدالة، وأصبحنا نرى قيادات الجماعة تعبر عن رأيها بكل حرية فى مختلف وسائل الإعلام.
أى أنه بين يوم وليلة فوجئ الإخوان المسلمون بأن المساحات التى فتحت أمامهم كبيرة جدا وأصبح أمامهم تحدى كبير لتغطيتها.. فكيف ستتعامل مع الملف الإعلامى مثلا ؟ وهل لديها الكوادر الكافية والمدربة للصمود فى وجه المنافسة الشرسة مع شباب الثورة والقوى السياسية الحديثة والقديمة فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى والمحليات ؟ بل السؤال الأهم كيف ستوزع كوادرها بين الحزب والجماعة ؟ وهل يستطيع هيكلها الادارى الحالى مواكبة كل هذه التطورات ؟
ظهر واضحا مدى الارتباك فى طريقة التعامل غير الاحترافية مع وسائل الإعلام من خلال تصريحات غامضة أحيانا ومتناقضة أحيانا أخرى لقياداتها، حول عدد من القضايا ومنها تطبيق الحدود فى مرحلة تشكيل وبناء مصر الجديدة كما لاحظنا اتخاذ مجلس شورى الجماعة قرارا برفع نسبة الترشيح فى الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى 49 % ولا أعرف كيف سيتماشى ذلك مع ما أعلنته عن استعدادها لقائمة وطنية موحدة ؟ بل إن تصريحات أخرى أكدت أن الإخوان لديهم القدرة على الفوز بنسبة 75 % فى استعراض للقوة المفرطة للجماعة وكأنها اصبحت اللاعب الوحيد والحريف فى "الحلبة"!
وإذا سلمنا أن بعض وسائل الإعلام تتصيد الأخطاء.. فلماذا لا تتعامل الجماعة بشكل احترافى مع الإعلام وتستعين بكوادرها الإعلامية الموجودة فى عدد ليس بقليل من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لكى تساهم فى تصحيح خطابها الإعلامى، وإذا افترضنا جدلا عدم قدرة هذه الكوادرعلى مواكبة للمتغيرات الجديدة على المستويات المحلية والعربية والعالمية فلماذا لا يتم صياغة وتنفيذ استراتيجية إعلامية متكاملة تشارك فيها هذه الكوادر وغيرها من الإعلاميين والصحفيين المحترفين.. وما أقصده هنا هو صياغة استراتيجية تساهم فى نهضة وبناء مصر وليست لخدمة اغراض واهداف الجماعة فقط.
ومن مظاهر الارتباك أيضا الطريقة التى أدار بها مكتب الإرشاد ملف حزب الحرية والعدالة، حيث أعلن عدد ليس بالقليل من أعضاء اللجنة التأسيسية المنتخبة للحزب عن تجاهل آرائهم فى البرنامج واللائحة، بالإضافة إلى تجاوزهم فى المشاركة فى اختيار قيادات الحزب الذين تم انتخابهم عن طريق مجلس الشورى بصورة غامضة، ولم يعرف المؤسسون أسماء رئيس ونائب وأمين عام الحزب إلا عن طريق الإعلام مثلهم مثل غيرهم.
وتبقى الأسئلة الحائرة، هل سينفصل الحزب عن الجماعة ؟ وهل يستهدف الحزب استيعاب جميع أطياف الشعب ؟ وهل ينجح الإخوان فى إعطاء نموذج يحتذى به فى توسيع هامش الحرية لأعضائه بحيث ينتقل من حزب أيدولوجى إلى حزب لكل المصريين يتبنى همومه وقضاياه ؟ أم ينغلق على الذات ويواصل رفع شعارات فضفاضة مثل "الإسلام هو الحل" ربما كانت مناسبة فى المرحلة السابقة، أما الآن فالجميع ينتظر البرامج التفصيلية والمناسبة لواقع جديد فرضته الثورة ؟.
باختصار.. هل تعكس حالة الارتباك أزمة إدارة ورؤية لم تنجح فى التعامل مع الواقع الجديد ؟ أم أنها أزمة إمكانيات ظهرت بعد أن وضعت الثورة الجماعة تحت ضغط الحرية غير المتوقعة عقب 30 عاما عاشت فيها تحت الضغوط الأمنية المفرطة؟ أعتقد أنها أزمة إدارة.. والله أعلم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة