"ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار"
قالها سالفاً الحكماء... وطبقها حالياً الزعماء
هذا إن جاز أن نطلق لفظ الزعيم على من تزعم شعباً، وأجاز قتله لمجرد معارضته، وإبادته طلباً لحريته.
فزعماء اليوم ممن زعموا، ولم يتزعموا، ففى زمننا هذا أطلق لفظ الزعيم على من تزعم تشكيلاً عصابياً، أو شرذمة من الصبية، أو كل من أراد لنفسه قيادة واهية زائفة.. كان زعيما.
وبناءً عليه إن افترضنا الزعامة على كل من قاد جمعا من الأحرار، أو الشرفاء أو حتى المجرمين.. فلابد أن تأتى تلك الزعامة بقبول ورضا ممن تزعمهم.. فالزعامة لا تكون قسراً ولا قهراً، إن الزعامة والقيادة لها أصول ومبادئ تعارف عليها البشر منذ بدء الخليقة.
ويبدو أن عصرنا ظهرت عبادة أكثر سفهاً من عبادة الأصنام فى عصر الجاهلية.. ألا وهى عبادة الكرسى، وهى لا تعرف قيمة وقدرا لمحكوم، ولا تؤمن بحرية المواطن.
فقد كان عتبة بن ربيعة زعيم بنى أمية رجلا حكيما حاور الرسول على الصلاة والسلام بالحسنى، وقد أملت زعامته حكمة الحديث وأدباً فى التعامل وقد كان هاشم بن عبد مناف كبير قبيلة قريش رجلا كريما.. عظيم القدر.
ولم يرتفع شأن زعماء الجاهلية وعظم قدرهم إلا لأنهم أناس احترموا أفراد قبيلتهم، فاختيروا زعماء برغبة أفراد قبائلهم.. حتى صار التاريخ الإسلامى يذكرهم بفضائل الشيّم.
ومن هنا كانت زعامة الوطن أشمل، وأحق باحترام واحتواء للمواطنين، وليس علاقة تقديس بين حاكم ومحكوم، كما هو سائر فى أغلب الدول العربية
فالوطن ملكية لكل قاطنيه.. شراكة حقة.. ومسؤولية واجبة
لا يمتلك شخص عن آخر شبراً زائداً من أرضه، ولا حجراً فى هرمه، ولا نقطة من نيله، ولاذرة فى ترابه.
الوطن يمثل العطاء الواسع الفسيح لكل أبنائه بلا تميز، ولا تحيز.
فكلنا نمشى فى شوارعه... ونشرب من نيله... ونتعثر فى طرقاته، كيف يكون الوطن مرتبطاً اسما ومكاناً بشخص، وكأنه أصبح ملكية خاصة له فقط؟!
أعرف أن هناك.. حقيبة ريم.......سيارة أحمد...عزبة على
ولكن أن تصير تونس ضيعة لزين العابدين؟؟
ومصر هى مبارك!!!؟؟؟
والقذافى هو المجد وصانع ليبيا؟؟؟
وهكذا ينسب كل رئيس الدولة لنفسه وكأنها صك ملكية من صكوكه التى يمتلكها
إنه الهزل والسخف بعينه..
فهذا يدعى أنه صاحب الضربة الجوية.. وقد صارت كاللطمة القوية التى يلطم بها شعبه كلما أراد أن يستقيم، وذاك قائد الثورة الشعبية الذى لا يقبل أن يثور شعبه، بل ويخيل أنها ثورة من أجله وليست ضده.
فما أعجب أن تكون حرية الدين والعبادة متاحة للجميع وهو حق منحه الرب للعباد، ولم يسمح العبد لعبد مثله بحق حرية اختياره أو رفضه.
إن القذافى لم يستطع أن يقذف فى قلب شعبه الرعب بشتى الطرق، بل قذف الله فى قلبه الرعب فبات كالمجنون أو هو كذلك، فطاح قتلا فى شعبه بكل ما أوتى من قوة، وهو الأضعف جندا.
فقد تصور القذافى ومن شابهه أن الوطن مدين له بعمل قد أسداه له وهو من صميم واجبه، وظل جاثما على صدر شعبه من منطلق هذا الدين متصورا والآخرين أن الأوطان لم تكن إلا بهم
وفى واقع الأمر أن الجميع مدين لهذا الوطن، وأنهم لن و لم يكونوا زعماء إلا بوجود تلك الأوطان، والمواطنين الذين نصبوهم لتلك الزعامة.
لم يعتبر طاغية مصر وكرر نفس سيناريو تونس فكان خروجه أقسى وأمر، وكان انتصار الشعب ملحمة شعبية، ولم ينظر أعمى البصر والبصيرة فى ليبيا لما حدث فى مصر، وإلى زميل الغث والفساد، بل ظن نفسه فيلسوفاً محتكماً إلى هراءات وضعها فى كتاب، مطلاً علينا كل حين فى خطاب أشبه بمشهد كوميدى حتى بات أضحوكة العالم.
والعجب أن يكرر كل حاكم نفس المسرحية الهزلية التى قام بإخراجها نظام سابق فى بلد آخر برغم استعانة المخرجين بكل التقنيات الحديثة فى عالم الإخراج أو القمع إن صح القول، ولإتقان الممثلين للكذب، وبرغم ذلك تفشل المسرحية، ويسقط الجميع، وينتصر الجمهور.
وكلٌ يأتى وهو يظن أنه متفردٌ بعبقريته وحنكته فى إدارة ما يسميها بتظاهرة، منكراً أنها ثورة، أى غباء هذا.. إن الزعامة قيادة وذكاء.. إدارة وأخلاق لا تتوفر لدى هؤلاء الأدعياء.
إن الشعب الليبى الصامد منتصر بإرادته، منتصر بشهدائه، وقد زادوهم وزوّدوهم عزماً وقوة,
فإن كان رحيل بن على مهيناً، ورحيل مبارك كان مزرياً، سيكون رحيل القذافى عبرة لمن يعتبر.. ولا أظن أن بينهم من يعتبر
فصبرا أهل ليبيا
فإن موعدكم مع الحرية قاب قوسين أو أدنى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة