شخصية المقاوم الثائر، غالبة ومتغلغلة فى كل حركات وسكنات الشيخ الجليل حافظ سلامة. أورد ذلك كحقيقة ساطعة سطوع الشمس، ويلمسها من يتابع ويحلل مواقف الرجل الحائز على شعبية طاغيةـ يستحقها عن تاريخه النضالى- فى السويس وخارجها، ويتبعه طابور طويل من المريدين والأنصار.
من ناحيتى، لا يمكننى- ولا غيرى- الحجر على حق الشيخ سلامة فى مسعاه الدءوب، لاستعادة ما يراه حقه فى الولاية على مسجد النور، الذى سطت عليه وزارة الأوقاف عنوة، رغم أنه من اشترى الأرض المقامة عليه وبناه بجهد جهيد، وأنفق الكثير من الأموال والوقت، لبناء هذا الصرح القائم فى العباسية على بعد أمتار قليلة من الكاتدرائية المرقسية، ودخل فى نزاع قضائى طويل ومرهق مع حكومات العهد السابق، حتى يستعيده.
واضعا فى تقديرى جملة الحقائق السالفة، ليأذن لى شيخنا العزيز بمساءلته لاستيضاح بعض الأمور المهمة، ضربة البداية ستكون متعلقة بالتوقيت، إذ يعلم الشيخ سلامة أكثر من غيره أن بلدنا يبحر فى سفينة تشق طريقها بصعوبة ومشقة وسط عاصفة هوجاء وذاك وضع يستلزم أن توضع اليد فوق اليد للعبور بالوطن إلى بر السلامة والأمان، وليس القيام بأعمال لا تخدم، بل تضر، المصالحة الوطنية التى تحتم عودة روح وعقل الخامس والعشرين من يناير، وأن نرتكز على قاعدة المواطنة المصرية، وأن ننظر لبعضنا البعض بانتمائنا الوطنى وليس بتقسيمنا إلى سلفى وجهادى وليبرالى ومسلم ومسيحى، وغيرها من تصنيفات باتت حاكمة لنظرتنا وتعاطينا مع قضايا ترتبط ارتباطا وثيقا بمستقبلنا ومساراته.
ولا يغضب مريدو الشيخ حافظ حينما أقول: إنه لا يصح منع خطيب مسجد النور من الصعود للمنبر، لكى يعتليه آخر منتم للتيار السلفى، ولا أجد عذرا يجيز هذا الفعل، ألم يفكر أنصار سلامة فى أنهم يسيئون للسلفية ويظهرونها على غير حقيقتها وجوهرها النقى الشفاف؟ ولم لا ونحن نرى أن منطق القوة كان الغالب. وأتساءل: هل ياشيخ سلامة استخدم مسجد النور فى شىء آخر غير الدعوة للدين الحنيف، وتحفيظ القرآن الكريم، وإغاثة الملهوف، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وتزويج المسلمين؟
هل ما سبق يخرج عن حدود ما خططه ورسمه الشيخ حافظ للمسجد، عندما فكر فى تشييده ، أو حين يعود لكنفه، ثم هل تعد سيطرة السلفيين على الجامع من الأولويات والضروريات الملحة الآن؟ مباشرة أرد بالنفى، وأتبعه بأن مصر لم تعد كما كانت قبل ثورة الخامس والعشرين، فاليوم لم يعد يحق لوزارة الأوقاف أن تفعل ما يحلو لها بدون رقابة ولا محاسبة ولا اعتراض من أحد. ما أريد بيانه أنه لم تكن هناك ضرورة عاجلة تجبر حافظ سلامة على خوض معركة ليس هذا أوانها المناسب، واحتراق البلاد والعباد بشظاياها المتطايرة يمينا ويسارا.
كذلك أرغب فى سؤال الشيخ حافظ: باعتبارك من مشايخ السلفيين الأجلاء، أترى أنه من الملائم إثارة قضية استعادة كاميليا ووفاء قسطنطنين، ونحن نسير وسط ظلام لا نعرف إلى أين يأخذنا؟ والشيخ يعلم يقينا أن الإسلام لن يزداد شأنا ورفعة بإسلام كاميليا ووفاء، وأن الواجب يقتضى خلال الأزمات وعند مرور الأوطان بمفارق طرق الابتعاد عن النواحى المثيرة للخلافات والضغائن والنعرة الدينية، التى سينتج عنها اقتتال واحتكاكات بين المسلمين والمسيحيين، ولن تفيد أحدا سوى كل راغب فى شقاء مصر وشعبها بفتنة لا ندرى ماذا سيتمخض عنها.
سيندفع من بين الصفوف من يصيح ويصرخ، هل باستطاعتك أن تقول عشر ما قلته آنفا ضد البابا شنودة أو نجيب ساويرس وغيرهما من الشخصيات المسيحية المشهورة؟ بارتياح شديد أنبه إلى مدخل السؤال فى الأساس فاسد من عدة أوجه، لماذا؟
أولا: لكون المسلمين يشكلون الأغلبية فإن ما يقع على كاهلهم من مسئوليات وواجبات فى زمن الشدائد أكبر بكثير من الوقوع على عاتق الأقلية. ثانيا: أن من يخطئ من المسيحيين يجب أن ينتقد وبأعلى صوت، فلا يوجد شخص فوق مستوى الانتقاد، مهما علا نجمه ووضعه، فى إطار من الاحترام وبدون التجاوز بالحديث عن جوانب تسفه وتحقر من العقائد والمقدسات الدينية، ثالثا: أنه فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، كتب كثيرون عن أن البابا شنودة يعتبر نفسه فوق القانون بل والدولة فى أحيان كثيرة، فهل سيكرر بعض مشايخنا هذا الخطأ بالتعالى على احترام القانون والدولة؟ أيها المصريون غلبوا المنطق والعقل وصالح الوطن على مكاسب صغيرة لن يزيدكم الحصول عليها قوة ومناعة وسطوة، لننكر ذاتنا قليلا إلى أن تجتاز مصر فترتها العصيبة، بعدها فكروا وخططوا لاقتناص المغانم والمزايا كيفما شئتم.