د. رضا عبد السلام

اقتصاد مصر و العدالة الناجزة!

السبت، 30 أبريل 2011 04:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يختلف اثنان على وطأة الحمل الملقى على عاتق النائب العام وفريقه الرائع، وخاصة مع استمرار تداعى رموز النظام البائد والمنتفعين من حولهم، فالقائمة طويلة وتمتد إلى كل من انتسب إلى النظام والحزب المنحل، من أقصى شمال مصر إلى أقصى جنوبها، ومن هذا المنطلق، يتضح بأن الأمر ليس هيناً، فنحن نتحدث عن ميراث ثقيل وعبء كبير، وعشرات الآلاف ممن نهبوا واغتالوا براءة مصر، إلا أننا فى نفس الوقت بصدد اقتصاد متداعى، ويوشك أن يسقط فى براثن أزمة قد تقضى على أحلام ثورتنا، فاقتصادنا بحاجة إلى بارقة أمل تعيد له الحياة، وتعيد الثقة للشرفاء من المستثمرين (الوطنيين والأجانب).

وحتى تعود هذه الثقة، لابد وأن نحقق العدالة الناجزة، فأستطيع أن أؤكد، كباحث اقتصادى وقانونى، بأن فريق النائب العام، رغم تقديرنا الكامل لقدراته لا يمكنه أن يلبى طموحات هذه المرحلة الفارقة فى تاريخ مصر، لأن الأمر والمصيبة لا تنحصر فى تلك الحفنة أو القلة القليلة الموجودة فى منتجع طرة.

فالعدالة الناجزة تشكل مطلباً ملحاً لمصر الثائرة، للعديد من الاعتبارات وعلى رأسها:
أولاً: تحقيق الردع، وبث الثقة فى نفوس الملايين من شعب مصر، وطمأنتهم بأن من سرقوا أقواتهم ونهبوا ثرواتهم قد نالوا الجزاء الرادع، وهذا لن يتحقق مع بطء عملية التقاضى، فالبطء فى توصيل الحق هو شكل من أشكال إنكار أو أهدار الحق.
ثانياً: تقدر ثروات مصر المنهوبة ليس فقط على أيدى الحفنة الموجودة فى طرة حاليا،ً تقدر بتريليونات الجنيهات، وسأكرر، تقدر ثروات شعب مصر المنهوبة بتريليونات الجنيهات، ولنأخذ ثروة مصر العقارية كمثال، حيث نهب عصابات النظام البائد أراضى مصر بشكل شبه كامل (من شمالها إلى جنوبها) وهى ثروة لا تقدر بثمن، لنا أن نتخيل انعكاسات عودة تلك الثروات على اقتصاد مصر وعلى شعب مصر، مؤكد أن سوق العقار سيهدأ، وستعود معه الحياة إلى ملايين المصريين الذين يعانون من وطأة السكن، والتى تعجزهم عن تلبية احتياجاتهم المعيشية الأخرى.
ثالثاً: نعلم أن احتياطى البلاد من العملات الصعبة فى تراجع منذ الثورة وهذا شىء طبيعى، ولكن من غير الطبيعى أن يتأخر الفصل فى قضايا نهب المال العام وثروة البلاد، لأنه فى حالة تحقيق العدالة الناجزة سنتمكن من ضخ دماء جديدة فى جسم الاقتصاد الوطنى وفى الوقت المناسب، فما جدوى عودة تلك الأموال بعد أن تكون الفأس قد وقعت فى الرأس أى بعد أن يكون اقتصادنا قد غرق فى الأزمات الخطيرة؟
رابعاً: من خلال الدراسات التى أجريناها، وخاصة دراستى التى أنجزتها عام 2004م تحت عنوان "القضاء من أجل تنمية اقتصاديات كفاءة واستقلال ونزاهة الجهاز القضائى" تبين لنا أنه لم يعد كافياً أن نمعن فى تحقيق اعتبارات العدالة على حساب اعتبارات الكفاءة، فالقضاء العصرى "هو ذلك القضاء الذى يوازن بين اعتبارات العدالة واعتبارات الكفاءة"، فما معنى أن يبقى النزاع على مبلغ ما لمدة 10 سنوات، ويتم الفصل فيه فى وقت فقد المبلغ قيمته أو قدرته الشرائية، فالقاضى المعاصر عليه أن يوازن بين الكفاءة والإنجاز وبين تحقيق العدالة.
خامساً: أن التأخير فى الفصل فى المنازعات، وعدم تحقيق التغطية الكاملة والناجزة سيوفر الفرصة لباقى اللصوص، وهم يقدرون بعشرات الآلاف كما ذكرنا، للهرب بالثروات المنهوبة، فالوقت طويل حتى يأتى دورهم، وبالتالى أمامهم فرصة كبيرة للهرب وتحويل أرصدتهم أو غسل أموالهم..الخ، طالما لم يوجه لهم أى اتهام رسمى.

من خلال العرض أعلاه، ومن خلال واقع التجربة يتضح أنه لو سارت الأمور فى ذات السياق الحالى، ربما تسترد أموال وثروة مصر بعد أن يكون قد فات الأوان، فاقتصاد مصر بحاجة إلى تلك الثروات اليوم قبل الغد.

وهنا يثار التساؤل المهم، وما الحل؟ فى اعتقادى كباحث ، أن الحل يكمن فى الشروع الفورى فى إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، تكون تحت رئاسة النائب العام، بحيث تكون بمثابة المظلة الشاملة للتحقيق والتقصى بشأن قضايا الفساد، ونهب المال العام.

وحتى يطمئن الجميع، نؤكد أن مصر لن تكون الدولة الأولى التى تنشىء هذا الكيان، فالسعودية قامت بإنشاء وتفعيل عمل هذه الهيئة مؤخراً، ومن قبلها الكثير من الدول المتقدمة، ما أحوجنا إلى هيئة تضم مئات الخبراء ورجال القضاء، بحيث توسع شبكة تغطيتها لتشمل كافة المحافظات، لأن نهب مصر لم يقتصر على تلك الحفنة المحشورة فى منتجع طرة.

فى حال تفعيل هذه الهيئة سنضمن تحقيق الكفاءة والسرعة المطلوبة للفصل فى قضايا نهب المال العام والتربح والفساد، وسنتمكن من تغذية الاقتصاد الوطنى من خلال ضخ تلك الأموال والثروات مرة أخرى فى دمائه، وبهذه الطريقة نعيد الحياة إلى مصر وإلى شعب مصر، أمامنا منظمة الشفافية الدولية Transparency International وهى المؤسسة العالمية الأولى المعنية بدعم جهود مكافحة الفساد، حيث يمكن الاستعانة بخبراتهم السريعة والعاجلة لدعم إنشاء هيئة مكافحة الفساد. والله الموفق.

* وكيل كلية الحقوق – جامعة المنصورة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة