تركز وسائل الإعلام المختلفة هذه الأيام، على أسماء وشخصيات محروقة، وعلى رأسها الرئيس السابق وأفراد أسرته وباقى حاشيته، ممن طالتهم – ومن لم تطالهم بعد - يد العدالة، لا يختلف مصرى شريف على أهمية القصاص منهم، نظير ما اقترفوه من جرائم فى حق مصر، وفى حق شعب مصر، ولنتمكن من إعادة ما يمكن إعادته من ثروة مصر المنهوبة لنبدأ معاً – وبإخلاص - رحلة إعادة بناء هذا البلد العظيم.
فى خضم هذا الاهتمام تناسينا، وتجاهلنا سرطاناً يضرب كل شبر من أرض مصر، وربما تسبب فى إشعال أسعار مواد البناء مؤخراً، مشكلتى ليست فى ارتفاع أسعار مواد البناء على خطورتها، ولكن مشكلتى تكمن فى السبب الرئيس والمتمثل فى جريمة أو سرطان البناء على الأراضى الزراعية.
فما من قرية فى مصر إلا وفيها مئات الأبنية، تم الشروع فى إقامتها منذ قيام الثورة، حيث استغل الكثيرون فترة الغياب الأمني، وحتى لحظات كتابة هذا المقال، هناك آلاف المبانى التى يتم الشروع فى إقامتها على أخصب أرضى مصر!! وهنا لابد وأن نثير عدداً من الأسئلة المهمة: ألم تعد الشرطة إلى مواقعها؟ فأين هى من تلك الجرائم التى ترتكب أمام أعين الجميع؟ أين مسئولى الجمعيات الزراعية، وهم المناط بهم تحرير محاضر، تمهد لتحويل مرتكب الجريمة إلى العدالة؟ هل هى مؤامرة من بقايا الحزب البائد، الذين لا يزالون يتولون مسئولية الوحدات المحلية والجمعيات فى القرى؟ وبالتالى يتركون البلاد لتحترق على رأس من أشعلوا ثورتها؟.
مؤكدا أن هناك تقصير واضح من كافة المشار إليهم أعلاه، وعلى رأسهم الجمعيات الزراعية ومسئوليها، إضافة إلى رجال الشرطة الذين لم يتحركوا بالقوة الكافية لردع المخالفين، وبالطبع المسئولين الذين لا يزالون فى مواقعهم رغم ثورة الشعب عليهم، وعلى النظام الذى كانوا يمثلونه، ولهذا كان الثوار محقون فى أهمية الإسراع باقتلاع كافة القيادات على مختلف الأصعدة. فرموز النظام البائد لا يعنيهم إصلاح أو تطور هذا البلد، بل على العكس، هم يدعمون أى خطوة تقود إلى تدميرها وخرابها، لأنهم خسروا كل شىء ولم يعد لديهم شىء ليخسروه، فهم يطبقون مقولة "عليه وعلى أعدائى".
نعلم أن الحمل ثقيل على كاهل حكومة تصريف الأعمال، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن أرض مصر الخصبة هى أغلى ما تملكه. فأين التشريعات الحازمة والصارمة أسوة بالتشريعات التى صدرت لمواجهة البلطجة؟ أعتقد أنه إذا لم يتم التحرك الجدى والعاجل لمواجهة هذه الجريمة البشعة فى حق الأجيال القادمة من أبناء مصر، فسنخسر الكثير، وأستطيع أن أجزم بأن ما لا يقل عن 10% من أجود الأراضى الزراعية المصرية تعرضت للبناء أو التبوير خلال الأشهر القليلة الماضية.
إلا أننا – ومن جهة أخرى – علينا أن تكون منصفين ومنطقيين، بحيث لا نغلق الباب على الفلاح ونمنعه من البناء فى وقت لا نوفر له فيه البديل المقبول أو الكريم. فالفلاح شأنه شأن أى مواطن، له أسرة، وهذه الأسرة فى توسع مستمر، ومن ثم هو بحاجة إلى مسكن لأولاده وأحفاده. فإذا لم نوفر له بديلاً مقبولاً ومحفزاً، فنحن بذلك ندفعه دفعاً إلى مخالفة القانون، علينا أن نجتهد لتشجيع الناس للانطلاق نحو المدن الجديدة، ولكن ليس وفقاً للأسلوب البالى للنظام البائد. علينا - إذا رغبنا فى اجتذاب الفلاح نحو المناطق الجديدة - أن نمهد هذه المناطق، وأن نمدها من البداية بكافة المرافق من مدارس ومستشفيات ووسائل نقل وكهرباء ومياه.. إلخ، ولكن أن نلقى بالفلاح فى صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، ونتوقع قيامه بالتعمير، فهذا ضرب من المزاح الساذج، الذى لم يعد يناسب مصر ما بعد الثورة.
وبناءً عليه، ما اقترحه المواجهة هذه الظاهرة المدمرة للقطاع الزراعى المصرى ما يلى:
• قيام مديريات الزراعة فى كل محافظة – بعد تطهيرها من رموز الفساد وبقايا النظام البائد – بمتابعة أداء الجمعيات الزراعية فى كل قرية، ومراقبتهم ومحاسبة المقصرين منهم، وذلك من خلال حملات دورية ومفاجئة.. إلخ.
• إصدار تشريعات أكثر صرامة، تجرم البناء على الأراضى الزراعية، وتلزم المخالف بإزالة المخالفة خلال إطار زمنى محدد من تاريخ الإخطار، فإن لم يقم بالإزالة تتم الإزالة على نفقته.. إلخ.
• إنشاء تجمعات عمرانية فى المناطق الجديدة، بحيث يتم إمدادها بكافة الخدمات والتيسيرات التى تحفز شباب الفلاحين على الانتقال إليها والاستقرار فيها.
• التفكير فى مسألة التوسع الرأسى فى القرى، وذلك بتنظيم عملية البناء داخل القرى ليسمح لأهل القرى بإقامة الأبنية متعددة الطوابق، وتقديم التيسيرات المالية فى هذا الخصوص، إضافة إلى تيسير الحصول على المرافق كالمياه والصرف والكهرباء..إلخ.
• قيام الجامعات ومديريات الزراعة فى كل محافظة بإجراء دراسات واستبيانات، تقود إلى توفير بدائل وحلول عملية، تضمن استقرار الفلاح، وفى نفس الوقت تحفظ الرقعة الزراعية من أن تبدد من خلال البناء أو التبوير.
• قيام الدولة بالشروع - فوراً – فى تسليم الفلاحين الأراضى الزراعية، وغيرها من الأراضى التى كانت مخصصة للزراعة، والتى استغلها عصابات النظام السابق، طالما كانت هناك قرائن تفيد باستخدام الأرض فى غير الغرض الذى أعطيت من أجله.
ما عرضت له أعلاه هو مجرد أفكار وأطروحات، أدعو القارئ العزيز للمشاركة، للوصول إلى تصور أكثر شمولاً، يمكن إعماله، لإنقاذ ما تبقى من أرض مصر الخصبة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين عبدالمنعم
انجدو الارض الزراعية من الاضياع
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن ندا
اقتلو سرطان الزاحف علي الراضي الزراعية