محمد فهيم

عندما بكت سمر موظفة التأمينات

الأحد، 10 أبريل 2011 01:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة إنسانية فريدة لم أرها يوماً ما، على مدار أكثر من 25 عاماً، هى مدة تعاملاتى داخل مبنى تأمينات منيا القمح، لم أر فيها من موظفى المبنى يوماً شفقة بطاعن فى السن، أو أرملة عجوز، أو فقير له حاجة، لم أر فى هذه التأمينات إلا بشراً منزوعى القلب، عديمى الإحساس، فاقدى الرحمة والآدمية، ولم أسمع إلا شيئين، الأول هو صوت الموظف وهو ينهر الناس، والثانى صوت أولئك المساكين وهم خارجون من المبنى، يقولون "حسبى الله ونعم الوكيل"، والمواقف كثيرة لم أستطع سردها.

ولكنى، وعلى غير العادة، وجدت موظفة فى العشرينات داخل المبنى، تقف إلى جوار سيدة عجوز، تتحدث إليها باهتمام، تاركة مكتبها، فأشرت إليها أن لى عندها طلبا، فردت "لحظات وسآتيك"، وبينما أنا أراقب الحوار، وجدت "سمر"، هكذا اسمها، تذرف دموعا، فبللت الأرض كقطر السماء الغاضبة، ورأيت العجوز تهوى على الأرض يبن يديها، ودموعها هى الأخرى تنهمر، جريت بسرعة نحوهما، أفاقت السيدة بسرعة، بدا لى أن الحوادث والأيام قد جارت عليها، زاد بكاء سمر وعلا صوت نحيبها، حاولت كتمانه، احمر وجهى وسقطت دموعى، هدأت من روع السيدة، وقلت لها أيا كانت الأزمة، فأنا معك لن أتركك فلا تبك.

وجهت كلامى لسمر، أن تمالكى نفسك، فردت علىّ، أرجوك إن كنت تقدر على مساعدة تلك العجوز فساعدها، هى تحتاج إلى معاش، وهنا فى التأمينات لن يقدموا لها شيئاً، والكل ينهرها وهى لا تعرف أحداً، فهى وحيدة زوجها متوفى، ولا تملك إلا 4 حيطان، تغطيها من برد الشتاء، وشمس الصيف، والوحدة الاجتماعية فى قريتها "تل حاوين" لا تريد أن تحل مشكلتها، قلت لها، لن أتركها، ولكن اقض لى طلبى بسرعة، حتى أفهم منها الحكاية.

جرت سمر ودموعها تسبق خطواتها وما زالت تنهمر، وزملاؤها فى المكتب يقولون لها، لماذا تبكين؟ فتقول لهم لقد دخلت ذبابة فى عينى، فقلت لهم، لا إنها فقط إنسانة، ولا يبكى من البشر إلا أصحاب القلوب، أما غير ذلك فهم معدومو الإحساس، خرجت سمر نزلت للدور الأسفل صعدت مرة أخرى ولم تنقض حاجتى، ولكن ما زالت دموعها تنهمر، تحاول جاهدة أن تخفيها بلا أمل، شكرتها كثيرا على إنسانيتها ورقتها، وشكرتنى على معروف لم أؤده بعد.

أخذت العجوز بيدى، ركبت معى السيارة، ذهبنا إلى وحدة الشئون الاجتماعية، وجدت المبنى يحتاج هو الآخر إلى شئون اجتماعية، رد الموظف علينا بكل صفاقة، "الست دى ملهاش معاش من عندنا، كان لها وراحت تعيش فى السويس، وعلشان كده إحنا قطعناه"، فقلت له، تقصد السويد، فرد بسرعة يا أستاذ بقولك السويس، قلت له يعنى فى مصر، ولا السويس تبع السعودية، قال هذا هو القانون، قلت له تحرمها من مبلغ لا يغنى ولا يسمن من جوع، "60 ولا 70 ولا 80 جنيهاً على الأكثر" وأنت تعلم حاجتها، يا أخى إن كان القانون لا يفهم، ولا يشعر، ولا يحس، فأعتقد أنك لست مثله، وذكرته بقول عمر، رضى الله عنه، "كيف نأخذ شبابها، ونتركها فى شيبتها"، وعلمت أنه لا فائدة منه ولا معه.

توجهت على الفور إلى إدارة التضامن الاجتماعى بمنيا القمح، ومعى السيدة المسكينة، وطلبت المدير العام، الذى قابلنى بحفاوة، طرحت عليه المشكلة، قال، "حسبى الله ونعم الوكيل"، رفع تليفونه المحمول، تحدث مع مدير الوحدة الاجتماعية بقرية "تل حاوين"، سأله عن المشكلة، وطلب منه أوراق هذه السيدة، وقال له، سأحاسب كل من ظلمها، والقانون يسمح برفع المعاش مؤقتا، وليس إلغاءه نهائياً، فكيف تفهمون الأمور! وحل المدير مشكلتها على الفور، ووضع يده على كتفها معتذراً، قائلا لها، "مكتبى مفتوح لك فى كل وقت، وأعطاها رقم تليفونه الخاص فى ورقة، شكرته السيدة، وشكرتنى، وما زال صوت دعائها، لى ولـ"سمر" ولمدير التضامن يرن فى أذنى حتى الآن، ومازالت دعوتها "حسبى الله ونعم الوكيل" فيمن ظلمنى تخترق الحجب.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة