"تمخض الجمل فولد فأرا".. هذه هى الجملة التى تبادرت إلى ذهنى عندما سمعت حديث ثلاثة رجال من رجال النظام السابق وحقيقة تنافس الثلاثة على المراكز الأولى فى فقد مناصبهم فقط عندما تحدثوا... وكان المركز الأول من نصيب أكثرهم شهرة على الإطلاق فى الفترة الماضية، وهم اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، أما المركز الثانى فكان مستحقا بجدارة للواء محمود وجدى وزير الداخلية السابق، وجاء الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر السابق فى المرتبة الأخيرة، تنافس الثلاثة على فقد شعبيتهم وفقد مناصبهم فقط عن طريق الأحاديث والبيانات الصحفية.
أما السيد عمر سليمان ذلك الرجل الغامض رجل المخابرات العامة ومدير عقد الملفات فى الإدارة المصرية أو هكذا قالوا لنا ولعل الصورة التى كانت مرسومة لدى الإنسان المصرى العادى لهذا الرجل من خلال سلسلة دكتور نبيل فاروق رجل المستحيل أدهم صبرى، ذلك الرجل الخارق للعادة صاحب الأخلاق النبيلة بالإضافة إلى الصمت المطبق الذى أحاط بالرجل طوال الفترة السابقة مما رسخ لدى المصريين فكرة رجل المستحيل وإن هذا الرجل هو رجل المرحلة القادمة بلا أدنى شك.. ولكن حدثت المعجزة وتكلم الرجل ويا ليته ما تكلم عقب تعيينه نائب رئيس الجمهورية وخرج علينا بتجهمه وصوته المرعب وهو يحاول تجميل وجه نظام فاقد الأهلية وظهر مساندا بكل قوة لنظام مبارك ولا يعبأ بالشعب الذى هو السبب الرئيسى فى تعيينه نائب رئيس الجمهورية. يتكلم الرجل ليصب خيبة الأمل على قلوب المصريين صبا. وباتت كل كلمة تخرج من فم الرجل يفقد معها تعاطف واحترام المصريين حتى وصل إلى فقد أكثر من ثلاثة أرباع شعبيته فى حديثه الأول.. ولا أعتقد أن هذا حدث فى العالم أجمع بأن شخصا ألقى بيانا ففقد كل هذه الشعبية ولو أن هذا الرجل فقط صمت لحمله الشعب المصرى إلى الرئاسة وهم يرددون بالروح بالدم نفديك يا سليمان، ولكن الله سلم، وأراد أن ينطق الرجل بعد أن صمت دهرا لينطق كفرا وتسقط صورته فى لمح البصر ويعطى دفعة لا مثيل لها للثور لاستكمال ما بدأوه ويتحول الهتاف من ارحل يعنى امشى إلى يا سليمان مش عايزنك انت كمان.
أما الترتيب الثانى الذى احتله وزير الداخلية فى الحكومة المقالة اللواء محمود وجدى، ومع أن الرجل جاء فى عهد نظام فاسد إلا أنه كان باستطاعته أن يتحول إلى بطل قومى لو اتخذ إجراءات بمحاسبة الفاسدين والمتسببين فى مقتل الكثير من أبناء هذا الشعب ولكن بدلا من ذلك اتخاذ خطوات حقيقة وملموسة تشعر الشعب بأن مصر بالفعل تتجه إلى الشفافية والحرية، خرجت علينا دعاية وإعلانات وزارة الداخلية شقيقة إعلانات الحزب الوطنى البائد من عينة من أجلك أنت وأجل أولادك لتؤكد لنا أن الشرطة فى خدمة الشعب، وأن رجل الشرطة يسهر على خدمتك وراحتك ويبذل جهده لينعم هذا الشعب فى صورة إعلانات، الكل يعلم أنه لا تحدث إلا فى خيال مخرج الإعلان، وكأن الرجل لا يريد أن يفهم أن هذا العهد تغير، ومصر تتشكل من جديد وتتحول إلى عصر آخر تصبح معه هذه الأساليب غير ذات نفع ثم تأتى الطامة الكبرى ويدلى الرجل بأول تصريح له بأنه كانت هناك أيد خفية وسط الثوار، وأن هناك مسلحين وأن الشرطة أدت دورها بكل كفاءة واقتدار وأمن الدولة دوره عظيم... وأخذ يكيل الكلام المحفوظ والمعلب فى ثلاجات النظام السابق دون أن يكلف نفسه عناء التفكير للحظة فى كيفية امتصاص غضب الشارع وسخطه على وزارة القمع والتنكيل بالمواطنين.. ومع كل جملة ينطقها هذا الرجل كانت تتساقط عنه أوراق التوت التى حاول أن يستتر بها طوال الفترة السابقة وظهر وجهه الحقيقى، ليؤكد لنا أن المطلوب ليس تغير الوجوه وإنما تغير العقلية ذاتها التى تتعامل مع المواطنين بنظرية الاستعلاء والوصاية، وبانتهاء حديث الرجل تبدأ حملات تطالب بإقالة الرجل المتمسك بعقلية كله تمام.. أما المركز الثالث والأخير فاستحقه رئيس وزراء مصر السابق أحمد شفيق الذى تسبب الحوار الذى أجراه فى قناة أون تى فى مع المذيع يسرى فودة وبحضور علاء الأسوانى وحمدى قنديل ونجيب ساويرس فى إقالته من منصب رئيس الوزراء، بعدما أثبت لنا الحوار كما أثبت للمجلس العسكرى أن هذا الرجل قد يصلح أن يكون رئيس لشركة ومدير لإدارة جائز أما أن يصبح رئيس وزراء مصر فهذا شىء من الصعوبة بمكان.. وخصوصا مع ضعف منطقه وجهله بكثير من الأمور التى كان من المفترض أن يكون على وعى وإلمام بها... لينتهى الحوار بإقالة أحمد شفيق إلا أن الرجل اكتسب بعض التعاطف، لأنه ظهر فى موقف ضعف وقلة حيلة، وقد أثبت هؤلاء الثلاثة مقولة الفاروق عمر عندما قال "المرء مخوء خلف لسانه" ورب كلمة جرت لصاحبها نعمة ورب كلمة جرت لصاحبها نقمة.. هذه الكلمات وإن كانت جرت النقم على أصحابها فهى جرت أكبر النعم على الشعب المصرى.