◄◄ «المسطول والقنبلة» و«ابن الرئيس» و«بن لادن» و«أزعرينا» و«بالألم».. ضحايا تعسف النظام البائد
شهد سقف الرقابة فى عهد مبارك عدة تحولات على مدار العقود الثلاثة نتيجة للضغوط الغربية والدولية والصفقات السياسية التى كان يدخل فيها، حيث إنه حتى بداية التسعينيات من القرن الماضى كان التعرض لحياة أحد الوزراء فى السينما ضربا من الخيال، حتى اعتبر ما حدث فى فيلم «ضد الحكومة» من استدعاء لأحد الوزراء إلى القضاء نوعا من الشجاعة المفرطة من صناع الفيلم.
وفى عام 1993 شهد فيلم «الإرهاب والكباب» أول ظهور سلبى لوزير داخلية فى السينما، واعتبر هذا أعلى سقف من الممكن أن تصل إليه السينما حتى نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، ومع المتغيرات العالمية والضغوط الخارجية التى تعرض لها النظام كان يرتفع معها هامش الحرية السينمائية، كغيرها من الحريات الأخرى، وصلت إلى حد تجسيد رئيس الجمهورية نفسه، إلا أنه بقى هذا الهامش منحة من النظام لشخصيات محددة يسمح لها وحدها بالدخول فى المحظورات، مثل وحيد حامد ويوسف معاطى وخالد يوسف وعادل إمام الذين عُرفوا بعلاقاتهم العميقة مع شخصيات أمنية وسياسية عتيدة فى النظام، وظل التعرض بالنقد المطلق للشرطة أو عائلة الرئيس سقفا لم يصل إليه أحد.
وفى التسعينيات احتكر عادل إمام وحده حرية النقد اللاذع لعناصر السلطة من خلال أفلامه: «اللعب مع الكبار» و«المنسى» و«بخيت وعديلة» بأجزائه و«النوم فى العسل» و«طيور الظلام» و«الواد محروس بتاع الوزير» و«عمارة يعقوبيان»، ويرجع هذا لما قيل عن علاقته العميقة بأسرة مبارك. أما فى الألفية الجديدة فاحتكر خالد يوسف -بجوار الزعيم- حرية النقد للسلطة ورجال الشرطة تحديدا، فلم يسمح لسواه بهذه الفرصة، وذلك فى أفلامه «هى فوضى» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» و«الريس عمر حرب» الذى تم الاعتراض على اسمه للاعتقاد أن هذا دلالة على رئيس الجمهورية.
وكان من المعروف أن عصر على أبوشادى كان أكثر عصور الرقابة التى سمحت بفرض الشرطة سيطرتها على السينما، وكانت أقرب عبارة إلى لسانه: «سنحيل هذا الفيلم إلى الجهات السيادية»، حتى إنه اتهم بتشويه العديد من الأفلام، منها «دكان شحاتة»، و«مسجون ترانزيت»، و«طباخ الرئيس»، و«ظاظا»، وغيرها.
الدكتور سيد خطاب، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية الحالى، تحدث عن أزمة القانون 430 لسنة 55، وهو المنظم لعمل الرقابة، وما أضيف إليه من تعديلات، حيث يمنع تصوير أى مصنف إلا بتصريح من الرقابة، ولكن مشكلته الحقيقية فى عباراته المطاطة، خصوصا فى مادته الثانية التى تنص على حماية الآداب العامة، ومصلحة الدولة العليا، والنظام العام، والتى تفسر عادة على أن المقصود بها هو حماية النظام الحاكم.
ومن بين الأفلام التى قال سيد خطاب إنها تعرضت للرفض، وكانت ضحية لنظام مبارك فيلم «ابن الرئيس» الذى رفض، وأعيد تقديمه للرقابة تحت اسم «هما حبوا بعض»، بعد اعتراض أسرة الرئيس مبارك، وذلك لتعرض اسم الفيلم لشخص الرئيس بشكل مباشر، وعندما تم تغيير اسم الفيلم رفض مرة أخرى بسبب تعرضه لبعض التفاصيل الشائكة لحياة أسرة الرئيس، حيث تدور أحداث الفيلم حول ابن رئيس الجمهورية تجمعه قصة حب مع ابنة أحد قادة المعارضة، ورأت الجهات السيادية رفض الفيلم بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهو ما من شأنه التأثير على المواطنين.
كما عرض سيد خطاب لجانب آخر هو تدخل وزارة الداخلية فى قبول ورفض الأفلام، حيث تسببت فى منع فيلم «المسطول والقنبلة» عن قصة نجيب محفوظ، وإخراج محمد خان، ورفضت الشرطة الفيلم لتعرضه لقضية العنف البدنى الذى يواجهه المواطن من قبل رجال الشرطة، ورفض الفيلم لأنه اعتبر أنه استفزاز للمواطنين فى مرحلة سياسية حساسة.
وكانت الشرطة أيضا سببا فى رفض فيلم «بالألم» من إخراج وائل إحسان، والذى يتعرض لوقائع تعذيب مواطنين، وكذلك رفض فيلم بعنوان «أزعرينا» لأنه كان يصور برنامج توك شو يعرض لسلبيات الشارع السياسية والأمنية من قبل الشرطة.
ومن بين الأفلام التى رفضتها الجهات السيادية فيلم بعنوان «بن لادن» يحكى قصة حياة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، ورفضته الجهات الأمنية، مبررة ذلك بأن الظروف لا تسمح بتناول هذه الشخصية.
ويعرض سيد خطاب للأزمة الحقيقية التى تجمع الشرطة والسينما متمثلة فى اختصاص الشرطة فى منح تراخيص التصوير، وكذلك إذا تعرض الفيلم لأى أماكن أو شخصيات من الشرطة، واحتاج فى إكسسواره إلى أدوات تستخدمها الشرطة، فلابد من الحصول على ترخيص منها، وهو الأمر الذى يستلزم أن تقوم بقراءة السيناريو والموافقة عليه، وهو شكل من أشكال سطوة الشرطة المبالغ فيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة