مع تقديرى للمبادرة التى طرحتها جماعة الإخوان المسلمين للتحاور مع الكنيسة والشباب القبطى، وتقديرى للردود الإيجابية والسلبية المشروطة وغير المشروطة، فإن هناك بعض النقاط التى يجب التأكيد عليها سواء تم الحوار أو لم يتم.
الحقيقة الأولى أن المتحاورين من الجانبين يجب أن يدركوا ويعلنوا أن الحوار بين فصيلين سياسيين وليس بين دينين أو عقيدتين، فالإخوان المسلمون لا يمثلون مسلمى مصر، وفى المقابل فإن الكنيسة وإن كانت تمثل سلطة دينية أو روحية بالنسبة للمسيحيين إلا أنها لا تمثلهم سياسيا، لأنه من الناحية السياسية فالمسلم مواطن مصرى، والمسيحى مواطن مصرى، تحكمهم علاقة المواطنة ولا يحدد مواقفه السياسية أو الوطنية إلا على أرضية المواطنة التى تحكم المصريين جميعا.
الحقيقة الثانية أن الطرفين المتحاورين يجب أن يعلنان وبشكل قاطع وحاسم أن الحوار بينهما هو حوار للتقريب بين الفصيلين وزيادة مساحة الود بينهما وليس حوار لعقد صفقة يحددان فيها ملامح المرحلة القادمة، ويقتسمان الأدوار بحيث يغض الطرف المسيحى الطرف عن تصاعد دور الإخوان المسلمين مقابل تقديم الإخوان بعض التنازلات فى خطابهم السياسى، للأقباط فيما يتعلق بحق القبطى فى الترشح لرئاسة الجمهورية، أو غيرها من مسائل الجدل، فلا يمكن أن نترك لفصيلين مهما كانت قوتهما وتأثيرهما أن يشكلا فى صفقة سياسية مستقبل الوطن أو يحددان الأدوار فى قسمة طائفية لم تعرفها مصر على مدى تاريخها كتلك التى نراها فى لبنان ويتظاهر اللبنانيون لإسقاطها حاليا، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يسمح الشعب المصرى بصفقات تتوزع فيها الأدوار بشكل طائفى يقسم الوطن.
الحقيقة الثالثة إننا لا يجب أن نغض الطرف أو نخجل أو نتحرج أو نتجاهل كمسلمين ومسيحيين حقيقة ديمواجرافية وهى أن مصر وطن واحد للمسلمين والمسيحيين ولأى أديان أخرى، وإن الغالبية العظمى من سكانها مسلمين، وإن أى أمر يطرح للتصويت يرى فيه الناخبون - وأغلبيتهم العظمى مسلمين كما ذكرنا - يمثل مساسا بكيان الدولة كدولة تنتمى لمنظومة الدول الإسلامية لن يحصل على موافقة هذه الأغلبية وهذا لا يمكن أن يزعج الأقلية لأن هذه هى مبادئ الديمقراطية التى ارتضيناها وارتضاها العالم كله، لذلك فإن الجدل المثار بشأن المادة الثانية للدستور سيحسم بالطبع - فى حال طرح الموضوع للتصويت - لصالح رأى الأغلبية، ولا يمكن بأى شكل من الأشكال الاعتراض على مبادئ الديمقراطية أو اتباع وسائل غير ديموقراطية لفرض رأى آخر على الأغلبية.
الحقيقة الرابعة: إنه من البديهى أن نؤكد أن جميع المواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ولا يمكن التفريق بين مواطن وآخر بسبب الدين أو العقيدة فى أى منصب أو وظيفة حتى لو كانت رئاسة الجمهورية، فحق جميع المصريين التقدم للوظيفة سواء كانت رئاسة جامعة أو رئاسة الجمهورية أو غيرها، ولا يعيب الدولة أن تختار الأغلبية، أى فرد سواء كان مسلما أو مسيحيا، ولا يمكن اعتبار اختيار الأغلبية لشخص مسلم كرئيس للدولة أو جامعة على أنه قهر أو اضطهاد للأقلية طالما لا توجد قيود أو موانع للترشح، ولا يعيب أمريكا وأوربا أنه لا يوجد بها رئيس دولة مسلم ولا رئيس جامعة مسلم ولا محافظ مسلم، طالما أن القوانين هناك لا تمنع الترشيح على المسلمين لكنهم لا يحصلون على الأغلبية، ومن هنا يجب أن تختفى وللأبد كل مظاهر التمييز والمنع فى الترشح للمناصب السياسية والبرلمانية وغيرها بين مواطن مصرى وآخر، وأن تختفى معها شكاوى الاضطهاد بسبب عدم وجود المسيحيين فى بعض المناصب بالانتخاب فهذه هى الديمقراطية التى يطبقها الغرب وكل ما نستطيعه أن نزرع فى المصريين من بداية طفولتهم مبادئ الحب والتسامح وأن الدين لله والوطن للجميع وأن المعيار فى أى عمل للكفاءة وليس لغيرها من العوامل لأن الحساب والعقاب على العقيدة عند الله وحده ولسنا مسئولين فى الدنيا عن تصنيف الناس أو حسابهم وفقا لعقائدهم.
الحقيقة الخامسة أنه فى حال تصويت الأغلبية لاستمرار المادة الثانية من الدستور فإن ذلك لا يجب أن يمثل أى غبن أو إزعاج للمواطنين المصريين المسيحيين لأن المادة الثانية لم ولن تمثل أى ضرر بهم، ومن البديهى أن نضيف أن الإخوة المسيحيين من حقهم أن تطبق عليهم التشريعات الخاصة بهم فى كل ما يتعلق بدينهم ومعاملاتهم الدينية فيما بينهم وأيضا كل ما يتعلق بأحوالهم الشخصية من زواج أو طلاق أو غيرها، فلا يمكن أن يجبروا على ما يخالف عقيدتهم وهو ما تؤكده ليس فقط حقوق المواطنة، لكن أيضا الشريعة الإسلامية نفسها التى تقر بأن تحكم كل فئة معاملاتها بما تدين.
الحقيقة السادسة أنه يجب أن تنتهى وللأبد وبغير رجعة حقبة تغييب القانون فى أى خلاف يكون طرفاه مواطنان أحدهما مسلم والآخر مسيحى وأن تختفى تماما الجلسات العرفية وحلول الترضية وغض الطرف عن أى جريمة لمجاملة هذا الطرف أو ذاك، وأن يختفى كذلك لجوء المسيحى للكنيسة فى أى خلاف مع مسلم، فالقانون يجب أن يأخذ مجراه فى أى خلاف صغير أو كبير بين مواطنين سواء بين مسلم ومسلم أو مسلم ومسيحى أو مسيحى ومسيحى، فالدين لا دخل له مطلقا بالخلافات المدنية والكنيسة لا دخل لها مطلقا فى مثل تلك الخلافات، بل تطبيق القانون الصارم هو الحل لوأد أى محاولة لخلق فتنة طائفية، وفى دولة يحكمها القانون لا مجال لمثل هذه الفتنة.
وفى هذا الإطار لم يعجبنى اللجوء لعلماء ورجال الدين من الجانبين فى أزمة كنيسة اطفيح وكان يجب تطبيق القانون بصرامة على الجميع ومحاكمة من قاموا بهذا العمل الإجرامى الذى لا تقره القوانين ولا الأديان والشرائع، مع قيام الدولة ببناء الكنيسة من جديد فى موقعها.
وفى نفس الإطار لم يعجبنى أيضا ما قام به البابا شنودة خلال زيارة رئيس الوزراء له من تقديم كشف بأسماء عدد من المسيحيين الذين تم القبض عليهم خلال أحداث المقطم للإفراج عنهم لأننا إذا كنا نتحدث عن دولة مدنية بلا تمييز فلا يجب أن يكون التمييز من الناحيتين ولا ينبغى للكنيسة أن تتدخل فى قضية قانونية معروضة على النيابة أو القضاء لأن ذلك يمثل تكريسا لحالة التقسيم الطائفى فالمقبوض عليهم من الجانبين مصريون يحقق معهم فى وقائع اعتداء أو ترويع أو قتل ويجب أن نترك المجال للقانون ليأخذ مجراه على أى مواطن تورط فى أى جريمة دون تدخل المؤسسات الدينية، فهؤلاء المواطنين رعايا وشعب الدولة المصرية وليس رعايا وشعب الأزهر أو الكنيسة ولا أعتقد أن شيخ الأزهر قدم لرئيس الوزراء عند زيارته له طلبا بالإفراج عن المسلمين المتهمين فى هذه الأحداث.
الحقيقة السابعة أنه يجب أن تنتهى تماما حساسية بعض المسيحيين من كل ما هو إسلامى وأيضا حساسية بعض المسلمين من كل ما هو مسيحى مثل بناء الكنائس وغيرها، فالحقيقة أن هذه الحساسية وهذا التعصب لا علاقة له بالأديان التى ترسخ قيم السماحة والحب للجميع، ولا يضير أى مسلم بناء أى عدد من الكنائس بل على العكس فإن الكنائس تنشر قيم الحب والإخلاص والتسامح وهى نفس القيم التى تنشرها المساجد ونحن فى حاجة لنكون جميعا مواطنين متدينين مسلمين ومسيحيين لان ذلك سينعكس إيجابيا على المجتمع كله.
أتمنى أن يتفهم المتعصبون من الجانبين هذه الحقائق لنتخلى عن التعصب وحالة الاستقطاب التى قد تمزق الوطن لا قدر الله تعالى، مع أن تمسكنا بقيم الإسلام والمسيحية كفيل بأن يقينا هذه المخاطر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة